* كتب/ السنوسي بسيكري،
تغيير مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا كان مطروحا على طاولة البحث في حكومة الوحدة الوطنية منذ أشهر خلت، والأسباب عديدة؛ من أبرزها الخلاف الحاد بين وزير الطاقة في الحكومة ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط، ويبدو أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية مال إلى وزيره في تنازعه مع رئيس المؤسسة.
لكن اتجاه الأزمة بين الحكومة والمؤسسة اختلف اليوم، ومن الواضح أن السياسية فعلت فعلها في إدارة هذه الأزمة، فتعيين فرحات بن قدارة بديلا عن مصطفى صنع الله يخرج بالقضية من مجالها الإداري والفني ويجعلها ضمن التدافع السياسي الذي يخضع في أحايين كثيرة إلى السلوك البراغماتي ونهج “الصفقات”.
بن قدارة ليس ابن قطاع النفط ولا خبرة له في إدارته، والقطاع يعج بالكفاءات ومن السهل التوافق على خبير في النفط وفي إدارته وغير متورط في التجاذبات السياسية. هذا علاوة عن الجذور السياسية لبن قدارة وانجراره إلى الصراع بعد الانقسام السياسي، من خلال دعم عملية الكرامة ومساندة منتظمها السياسي والإداري في الشرق.
مصادر عدة تحدثت عن صفقة بين خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة بوساطة أو رعاية إماراتية، مضمونها تكليف بن قدارة بالمؤسسة مقابل فتح حقول وموانئ النفط، ذلك أن الضغوط على الاثنين كبيرة؛ فالأول يواجه سخط الأطراف الدولية الغربية الفاعلة التي تضغط لضخ مزيد من النفط والغاز في الأسواق العالمية، وحفتر يحجب نحو مليون برميل يوميا، في المقابل فإن الدبيبة يحتاج إلى تلميع صورته التي شابها ما شاب غيره من الساسة بسبب تدهور الخدمات العامة، خاصة الكهرباء التي تنقطع ساعات طوال يوميا، لا سيما في المدن الكبرى.
المكاسب بالنسبة للطرفين بالقطع أكبر، فالدبيبة يمكن أن يسحب البساط من تحت فتحي باشاغا من خلال إرضاء حفتر بشكل أو آخر، مما يعني أن الباب سيكون مفتوحا للتقدم في مسار التقارب، ليحصل حفتر على جُل ما يريده، وهو الذي عوَّل على باشاغا لتحقيقه فلم يفلح. وربما يحصل حفتر على أموال بشكل مباشر من المؤسسة بعد استبعاد المصرف المركزي من إدارة عوائد النفط بالاحتفاظ بها في حساب المؤسسة الوطنية في المصرف العربي الليبي الخارجي، فما أهمية بن قدارة وما الفرق بينه وبين صنع الله إن لم يحقق لحفتر ما ينشده؟
لكن الصفقات في ظل هكذا أزمات لا تأتي من دون منغصات، فمجلس النواب الذي راهن بقوة على حكومة باشاغا سيجد أن حفتر تلاعب بقراره، وهي النتيجة التي ستصل إليها مكونات مهمة في الشرق والجنوب ليتأكد لها أن حفتر يعمل لمصلحته ولا يعبأ بمطالبهم.
أيضا يمكن أن تشهد الجبهة العريضة التي دعمت الدبيبة في نزاعه مع باشاغا تصدعا، ذلك أن جموعا مهمة في الغرب انطلقت في موقفها من النزاع بين الدبيبة وباشاغا، رفضا للاعتراف بحفتر والتقارب معه وتقديم طوق نجاة له، وبات شبه مؤكد أن الدبيبة دخل على خط التقاطع المصلحي مع حفتر.
الأيام القادمة ستكشف عن طبيعة ما جرى وحجمه، وإذا ما كان من قبيل التنازلات المحدودة من الطرفين للتخفيف من الضغوط عليهما كما سبقت الإشارة، وأن النزاع والتدافع سيظل قائما إلى أن ترجح كفة أحدهما على الآخر، أو نصل إلى محطة الانتخابات، أم أن ما جرى في اليومين الماضيين بداية مرحلة جديدة من الوفاق بينهما لا يقتصر على ملف النفط.
وما يمكن التأكيد عليه أن التقارب بين الدبيبة وحفتر قابل للتطور، وأنه يمكن أن يضعف المسارات الأخرى الموازية، لكنه بالقطع لن يكون من دون تداعيات، فحفتر لن يقبل بأنصاف الحلول إلا مرحليا، وهناك المكونات السياسية والاجتماعية في الشرق الذين أملوا خيرا في قرار إقالة الدبيبة، والقاهرة بدت معزولة في هذه الصفقة، وروسيا فقدت حالة إيجابية بالنسبة لها، وهي وقف إمدادات النفط والغاز الليبي، ساعدتها على تأزيم الوضع في المعسكر المناكف لها، وعليه فمن المحتمل أن تعكر هذه المعطيات صفو هذا التقارب.
وتعقيبا على ما صدر من تحفظ على إقالة صنع الله من السفيرين الأمريكي والبريطاني، فأظن أنه موقف مضلل لا يكشف بشكل صريح عن رغبة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في عودة ضخ النفط الليبي، فهذه نتيجة مهمة بالنسبة لواشنطن ولندن وحلفائهما وهم يواجهون العناد الروسي وردود فعل موسكو على دعم الغرب لأوكرانيا باستعمال النفط والغاز كورقة ضغط ومساومة.