* كتب/ خليفة البشباش،
شح البيانات والإحصاءات من أهم مظاهر التخلف، لا أعرف كم دولة أخرى في هذا العالم تعيش نفس حالة الغموض الغريب التي تعيشها ليبيا، فحتى أبسط المعلومات الأساسية مثل عدد السكان أو عدد العاطلين أو طول الطرق المعبدة إلخ، هذه الأمور البديهية التي يمكن أن تعرفها عن الأرجنتين مثلا في 30 ثانية، لن تعرفها عن ليبيا حتى لو بذلت جهدا بحثيا طويلا ومجهدا.
هذا الخلل كارثي، خصوصا فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية، فالقرارات الحكومية شديدة الحساسية والتأثير مثل القرارات الأخيرة المتعلقة بالاقتصاد والكهرباء والموانئ والمالية إلخ، عادة ما يواكبها في أي مكان في العالم موقعة أرقام وتحليل وتوقعات حامية الوطيس تخوضها الصحافة والمراكز البحثية والخبراء الاقتصاديون والأحزاب، بينما في ليبيا لا ترى سوى حصص “إنشاء وتعبير” ركيكة، تقرأ فيها مناشير طويلة لا بيانات فيها ولا مؤشرات ولا أرقام، قرارات تصدر ومقالات تأتي ومناشير تذهب، تخوض في شأن المال والاقتصاد مثلما تخوض في المشاكل الأسرية.
غياب البيانات هذا يرجع جزء منه إلى ثقافة حكم فاسدة تعتمد “الترزريز” كأسلوب للحكم وتعادي أي نوع من الشفافية وتبقي كل شيء داخل نطاق ضيق من الفاسدين، ولكن جزءا منه -وهذا هو الأخطر- يعود إلى أن المسؤول نفسه لا يملك البيانات أصلا، بل إنه لا يشعر حتى بأهميتها.. لذلك يمكن لهذا المسؤول الغبي والفاسد أن يتخذ قرارا حساسا بدون أي دراية بتبعاته ولا حتى نية لدراسة هذه التبعات.. فقط لأنه اقتنع به في جلسة سمر مع أصدقائه شبه الأميين، المؤشر الاقتصادي الوحيد الذي يتتبعونه هو مؤشر المعسل والأرقيلة.
للكاتب أيضا: