الحرة-
في الأيام الأولى لوباء الفيروس التاجي، توقف جزء كبير من الاقتصاد العالمي، وانخفض الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة إلى مستويات تاريخية.
ففي الولايات المتحدة كما في منطقة اليورو، تقلصت العمالة بأسرع معدل تم تسجيله على الإطلاق، بينما دخلت العديد من الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، في ركود مفاجئ وعميق.
غير أن الوباء حفز الشركات في كل قطاع تقريبا على إعادة التفكير جديا في عملياتها، وتسريع خطط الابتكار التكنولوجي، حيث اعتمدت الأغلبية الساحقة على تقنيات رقمية جديدة مكنتها من الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية حتى في ظل القيود الصارمة المتعلقة بفيروس كورونا.
تحول اقتصادي
وكانت النتيجة تحولا اقتصاديا عميقا، أدى إلى تسريع إمكانية تحقيق مكاسب في الإنتاجية حتى في القطاعات التي كانت “بطيئة التغيير تاريخيا” وفق تحليل لمجلة “فورين آفيرز”.
المجلة قالت إن من المفارقة أن يأتي الخروج من أعمق أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية، بحقبة جديدة من مكاسب الإنتاجية والازدهار.
وسيعتمد حدوث ذلك، وفق المجلة، إلى حد كبير، على القرارات التي تتخذها الحكومات والشركات أثناء استعدادها للخروج من الوباء في الأشهر المقبلة.
وعلى المدى القصير والمتوسط، فإن احتمالات زيادة الإنتاجية -والازدهار- مشجعة، حيث تنفق الولايات المتحدة ودول أخرى بشكل كبير على التعافي الاقتصادي، بينما تجني الشركات فوائد الرقمنة.
لكن تبقى التوقعات أقل تفاؤلا على المدى الطويل، حيث لا تستطيع الحكومات الإنفاق إلى أجل غير مسمى وقد لا يملأ الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري الفجوة.
لذلك يجب على الحكومات والشركات أن تسعى إلى تهيئة الظروف لنمو وازدهار الإنتاجية المستدامين، ولا سيما من خلال تسهيل نشر الابتكارات التكنولوجية والتنظيمية ودعم طلب المستهلكين، وفق المجلة.
ويمكن أن ينتج ذلك، أزمة عالمية كبرى وهزة كبيرة في نمو الإنتاجية، لكن هناك إمكانية في تخطي ذلك “إذا استفاد صانعو السياسات وقادة الأعمال من هذه اللحظة” تقول المجلة.
ازدهار التجارة الإلكترونية
قبل الوباء، كان من المتوقع أن تمثل التجارة الإلكترونية أقل من ربع إجمالي مبيعات التجزئة الأميركية بحلول عام 2024.
ولكن خلال الشهرين الأولين من الأزمة التي ولدها الوباء، زادت حصة التجارة الإلكترونية من مبيعات التجزئة بأكثر من الضعف، من 16 في المئة إلى 33 في المئة.
وهذا النمو لا يعكس فقط قيام الشركات التقليدية بإنشاء متجر على الإنترنت لأول مرة، بل يعكس نمو إنتاج الشركات التي كانت مرقمنة بالفعل قبل الوباء، ووسعت بشكل كبير من قدراتها على الإنترنت لتلبية الزيادة في الطلب.
سعت الشركات أيضًا إلى أن تصبح أكثر كفاءة ومرونة، ففي أوروبا وأميركا الشمالية، قال ما يقرب من نصف المشاركين في استطلاع أعدته المجلة إنهم خفضوا نفقاتهم التشغيلية كحصة من الإيرادات بين ديسمبر 2019 وديسمبر 2020.
استطلاع: زيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا
وقال ثلثا كبار المديرين التنفيذيين إنهم زادوا الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، سواء لمساعدة عمليات المستودعات والخدمات اللوجستية في التعامل مع أحجام التجارة الإلكترونية المرتفعة أو لتمكين المصانع من تلبية الطلب المتزايد.
واستخدمت العديد من الشركات التكنولوجيا لتقليل الكثافة المادية لأماكن عملها أو لتمكين الخدمة “غير التلامسية”، من خلال استخدام تطبيقات الطلبات عبر الإنترنت للمطاعم والفنادق.
وسرّعت الشركات الأخرى، مثل مصانع تعبئة اللحوم والدواجن، من نشر الروبوتات لتقليل حاجتها إلى العمالة.
وخلصت المجلة إلى القول: “إذا كان هناك درس واحد من الوباء، فهو أن القدرة الرقمية والمرونة يسيران جنبًا إلى جنب”.
وقالت إن هناك مجالات ستشهد انطلاقة جديدة، مثل الإنفاق على البحث والتطوير والإيرادات وعمليات الدمج والاستحواذ.
وجاء في التحليل “وجدنا أنه على وجه الخصوص في الولايات المتحدة، استحوذت الشركات الخارقة الكبيرة على حصة كبيرة بشكل غير متناسب من النشاط في جميع هذه الفئات”.
ومنذ الربع الثالث من عام 2019 إلى الربع الثالث من عام 2020، شهدت أكبر الشركات الأميركية (من حيث الأرباح) انخفاضًا طفيفًا في النفقات الرأسمالية والإيرادات مقارنة بالشركات الأخرى.
وخلال الفترة نفسها، أنفقت تلك الشركات 2.6 مليار دولار على البحث والتطوير مقارنة بالعام السابق، بينما أنفقت جميع الشركات الأخرى 1.4 مليار دولار فقط.