العربي الجديد-
كشفت وكالة اللجوء الأوروبية تقديم 2450 ليبياً طلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي. وأشارت إلى ارتفاع عدد طلبات لجوء الليبيين إلى القارة العجوز، علماً أنه بلغ 2071 عام 2021، لكنها استدركت أيضاً بأن الطلبات في السنتين الأخيرتين أقلّ من تلك عام 2015 حين ناهزت 5 آلاف.
وأعلنت الوكالة الأوروبية، في تقرير نشرته أخيراً إجمالي عدد طلبات اللجوء التي تلقتها من مختلف البلدان العام الماضي، والذي ناهز المليون، بزيادة نسبتها 50 في المائة عن عام 2021، وأنها قبلت 1017 طلب لجوء ليبياً، وعلّقت قبول 1433 من دون أن توضيح الأسباب.
وفيما أوضحت أن ارتفاع الطلبات هو الأول من نوعه منذ عام 2016، ربطته بقرار رفع دول الاتحاد الأوروبي قيود السفر التي كانت مفروضة بسبب جائحة كورونا، وهي لم تذكر ترتيب الدول استناداً إلى عدد طلبات اللجوء المقدمة، لكن الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع عمران الدرويش، يعتبر أن الطلبات المقدمة من ليبيين تشير إلى استمرار المشاكل والأسباب التي تدفعهم إلى التفكير في الهجرة، مشيراً إلى أن غالبيتها قدمها شبان.
ويؤكد هذا الأمر أيضاً عبد الحكيم بعيو الذي سافر مرات إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث مقر وكالة اللجوء الأوروبية، لمحاولة تقديم طلب لجوء إلى ألمانيا. ويقول لـ”العربي الجديد”: “غالبية الذين صادفتهم لدى ترددي على مقر الوكالة الأوروبية في تركيا شبان أرادوا اللجوء الى ألمانيا تحديداً”.
ويحمل بعيو شهادة في الهندسة الميكانيكية لم يستطع استخدامها في تأمين عمل في ليبيا، ولم ينجح في توفير أي فرصة عمل في القطاع الخاص بعيداً عن الوظائف الحكومية. ويقول: “تحدثت لموظفي الوكالة الأوروبية خلال لقاءاتي معهم عن شعوري السيئ من العيش على غرار معظم الليبيين من دون أي ضمانات للعيش الكريم، ومواجهة ظروف أمنية صعبة قضت على حلم إقامة مشروع صغير أستطيع ان أحقق عبره دخلاً شخصياً”.
ولم يحالف الحظ بعيو في أن يكون بين الأشخاص الذين قبلت الوكالة الأوروبية طلباتهم، لكنه يؤكد عزمه على تقديم طلب جديد هذه السنة، ويقول: “يجب أن يستجيبوا قبل أن نتحوّل إلى مهاجرين عبر قوارب الموت في البحر”.
ويؤكد بعيو أنه لم يرغب في تقديم أسباب غير حقيقية للجوء، بخلاف آخرين زعموا أنهم تعرضوا لتهديدات لتغيير معتقداتهم الدينية أو للتراجع عن مواقف سياسية. لكن إيلاف العجيلي، وهي طالبة في السنة الثالثة بكلية التقنية الطبية بجامعة طرابلس، تقول لـ”العربي الجديد”: “حتى لو اختلق شبان ليبيون أسباباً غير صحيحة، فهم مدفوعون إلى فعل ذلك بسبب التضييق الذي يعيشون فيه”. تضيف: “لا أستطيع باعتباري فتاة تقديم طلب لجوء، ولو توافق أسرتي على اللجوء معي لفعلت ذلك”.
وتتفوق العجيلي على زملائها في الدراسة بحصولها على معدلات علامات جيدة، لكنها لا تلمح أي أمل يرتبط بتخرجها بشهادة جامعة، وتقول: “من المرجح أن أعمل في مختبر خاص أو في مستشفى عام كحد أقصى، وأواكب ظروف الحياة من دون أن يقدم لي تفوقي أي شيء. وربما حالفني الحظ في إنشاء أسرة عادية، لكن في الإجمال لا يمكن أن يحقق أي شيء في ليبيا التميز بالنسبة إليّ”.
واللافت أن الأستاذ الدرويش لا يحصر الراغبين في الحصول على لجوء بشريحة الشباب، “فهناك شرائح أخرى، لكن غالبية أفرادها يواجهون عثرات في اصطحاب أفراد أسرهم معهم، وحتى الشباب الذين تزوجوا حديثاً يطمحون إلى الهجرة من دون أن يستطيعوا فعل ذلك، ليس بسبب الضغوط الداخلية المرتبطة بالصراع القائم في البلاد، بل أيضاً بسبب إغلاق كثير من دول العالم باب السفر أمام الليبيين، ورفضها منحهم تأشيرات سفر حتى للدراسة”.
ويرجح الدرويش أن تكون طلبات اللجوء أكثر من الأرقام المعلنة، ويقول: “تتعلق الأسباب بوجود مكاتب وكالة اللجوء الأوروبية الأكثر تجاوباً مع الطلبات المقدمة في تركيا، أي بعيداً جداً عن أماكن وجود الليبيين، ولو كانت في العاصمة طرابلس أو في تونس المجاورة لليبيا لكان الرقم أعلى، أو كانت إجراءات التقديم مثلاً تتطلب تقديم طلبات إلكترونية، علماً أن عدداً كبيراً من الليبيين لا يعرفون بوجود برامج لجوء”.
ويؤكد الدرويش ضرورة محاولة الجامعات والحكومات تطويق ظاهرة الهجرة ومعالجة أسبابها، و”أنا أعتقد أن توفير البنى والهياكل الاقتصادية السليمة لإيجاد فرص عمل وتعزيز أساليب العيش ستؤدي إلى تراجع الظاهرة، كما أن العامل الأمني مهم، ولا بدّ أيضاً من وضع سياسات ثابتة لفرص الدراسة في الخارج كي تصبح ظاهرة الإقبال على السفر مقننة وتخضع لدوافع مقنعة، ليس لمحاولة الهرب من الواقع فقط”.