العربي الجديد-
أمام أعضاء مجلس الأمن، ألقى المبعوث الأممي عبدالله باتيلي إحاطة، الاثنين، حول الوضع في ليبيا. هذه الإحاطة اتسمت بطابع المراوحة والتردد في الموقف الذي تتخذه الأمم المتحدة تجاه الواقع الليبي الذي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. تضمنت الإحاطة العديد من التوصيات والتوجيهات، ولكنها لم تقدم أي حلول جديدة تساعد في تجاوز الانسداد السياسي القائم وتهيئ الأرضية لإجراء الانتخابات في ليبيا.
باتيلي أشار، في إحاطته، إلى أن النسخة المنقحة من القوانين الانتخابية التي أقرها مجلس النواب في الخامس من أكتوبر الجاري، لم تحقق تقدماً كبيراً في معالجة النقاط الخلافية المهمة، ولا تضمن هذه القوانين الملاحظات التي سجلتها البعثة الأممية بشأن نصوص القوانين بحيث تكون جاهزة للتنفيذ.
وذكر المبعوث الأممي أن النقاط الخلافية تتعلق بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وبالربط بين الانتخابات التشريعية والرئاسية، بالإضافة إلى مسألة تشكيل حكومة واحدة. ورغم أن البعثة الأممية سبق أن أشارت إلى هذه الملاحظات في مراجعتها الأولية للقوانين الانتخابية، إلا أن باتيلي قام بتكرارها دون إضافة جديدة أو توضيح حالة تلك الملاحظات.
باتيلي أيضاً أبدى قلقه إزاء نجاح القوانين الحالية في ضمان سلامة وشفافية العملية الانتخابية. كما أشار إلى تصاعد التوتر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بشأن هذه القوانين، وحذر من أن هذا التصاعد يمكن أن يعرض جهود إجراء الانتخابات للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، دعا باتيلي مجلس الدولة إلى التخلي عن موقفه والتوصل إلى توافق يسهم في تحقيق التقدم نحو إجراء الانتخابات وتحقيق الاستقرار.
وفيما كرر باتيلي دعوته القادة الليبيين للحوار من أجل تجاوز الخلافات للوصول إلى توافق حول الأطر القانونية للانتخابات، لم يعلن أي تفاصيل جديدة في خطته الرامية لإطلاق مسار تفاوضي شامل حول النقاط الخلافية في القوانين.
والجديد في إحاطة باتيلي تحذيره من نشوب نزاع جديد في حال تعيين حكومة جديدة بشكل أحادي من أحد الأطراف، داعياً مجلس الأمن إلى ضرورة استخدام نفوذه “لمنع” نشوب نزاع جديد، و”للتعبئة لحوار تفاوضي سياسي” بين مختلف الأطراف لمنع تجنب انزلاق البلاد إلى أزمة جديدة، وللوصول إلى تسوية “ملزمة، تقود نحو عملية انتخابية سليمة يكون عمودها الفقري هو حكومة موحدة تقود البلاد نحو الانتخابات”.
وعقب إحاطة باتيلي أصدرت سفارات دول الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا بيانا مشتركاً، عبرت فيه عن تأييدها لدعوة باتيلي القادة الليبيين لحوار جديد من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مُلزمة تمهد الطريق لإجراء انتخابات وطنية، وحكومة موحدة.
وفي إشارة للمسار التفاوضي الشامل الذي سبق أن أعلن باتيلي عن رغبته في إطلاقه، كإطار لتفاوض سياسي جديد، أكد بيان السفارات الخمس على أن أي مسار متفق عليه بالإجماع ويحظى بمشاركة من جميع الأطراف “يوفر أفضل الطرق لإجراء الانتخابات ومستقبل السلام والوحدة والاستقرار والازدهار للشعب الليبي”.
وتزامنت إحاطة المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، مع جهود دبلوماسية غربية تستهدف تجاوز الخلافات السياسية المتجددة بين مجلسي النواب والدولة الليبية. وفقاً لتصريحات سابقة من مصادر ليبية متطابقة مقربة من مجلسي النواب والدولة لـ”العربي الجديد”.
وتهدف هذه الجهود، حسب مصادر مقربة من مجلسي النواب والدولة، إلى دعم مقترح قدمه المبعوث الأممي يقضي بضرورة مناقشة كل الخلافات السياسية المتعلقة بالقوانين الانتخابية من خلال حوار جديد يشمل القادة الرئيسيين في ليبيا. الهدف الرئيسي هو حل الخلافات والتوصل إلى توافق حول إطار قانوني شامل يحتوي على خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
مع ذلك، أكدت المصادر ذاتها أن إحاطة باتيلي لم تكشف عن تفاصيل جديدة بشأن خطته لجمع القادة الرئيسيين للحوار. ورغم أن الاتصالات الغربية تستمر في دعم مبادرة باتيلي، إلا أنه لم ترد معلومات حتى الآن عما إذا كان مجلس النواب ومجلس الدولة قد وافقا على هذه الخطة أو رفضاها.
بالنظر إلى إحاطة باتيلي، يظن الناشط السياسي عمر التير أن عدم الكشف عن تفاصيل جديدة بخصوص خطته لبدء عملية حوار سياسي جديد يمكن تفسيره بأحد اثنين. قال التير إن “الأمر الأول يمكن أن يكون بسبب عدم استكمال باتيلي لخطته بشكل كافٍ للإعلان عنها بعد، والثاني هو أن الأطراف المتنازعة في ليبيا قد لا تزال غير مستعدة بعد للجلوس للحوار أو الاستسلام بشكل كامل لمقترحات باتيلي”.
التير أوضح لـ”العربي الجديد”، أن “وصول الأزمة إلى حالة انسداد تام يمكن أن يجعل من الأسهل فرض ضمانات للموافقة على نتائج الحوار، وهذا هو الجانب المفيد في خطة باتيلي؛ حيث لن تبدأ الحوارات من الصفر بل ستنطلق على أساس النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، مما يسهل تقديم حل أسرع”.
وبحسب رأي التير، “تعكس ملاحظات باتيلي حول القوانين الانتخابية مطالب العواصم الخمس، والتي أعربت عن دعمها للدعوة إلى حوار”. وأوضح أن “مسؤولي هذه العواصم، خلال تصريحاتهم السابقة، قد أعربوا عن موافقتهم على فصل الانتخابات البرلمانية عن الانتخابات الرئاسية”.
وختم التير بالقول “حتى الآن، خطوات باتيلي تبدو متراجعة ولا تكشف عن أي مستجدات قريبة المدى. ومع ذلك، تهدف هذه الخطوات إلى توجيه المشهد والرأي العام نحو إجراء انتخابات برلمانية فقط”.
مقارنةً بين إحاطات باتيلي السابقة وتلك التي ألقاها يوم الاثنين الماضي، رأى الباحث في الشأن السياسي عيسى همومه وجود لهجة الإحباط والقلق في الحديث الأخير، وليس تمحيصًا للوضع فقط كما كان في السابق. وفي تفسيره لهذا الرأي، أشار همومه إلى أن “الإحباط وربما التخوف أيضاً” بدا واضحاً في تحذير باتيلي من اندلاع نزاع جديد. هذا التحذير يستند بالواقع إلى تفسير عميق للوثيقة التي أصدرها مجلس النواب بشأن القوانين الانتخابية.
همومه أوضح، لـ”العربي الجديد”، أن “باتيلي يقصد هنا بالطرف الأحادي مجلس النواب. وشبّه النزاع الجديد بالنزاع على عهد فتحي باشاغا، فالمفترض أن يسميها حكومة أسامة حماد إذا كان يقصد الانقسام الحكومي، لكنه يعني أن الحكومة الجديدة سيتم دعمها بالسلاح وبشكل أقوى لتكرر تجربة باشاغا في دخول طرابلس وتنجح في ذلك”.