* د. محمد أبوسنينة،
اليورو هو العملة الرسمية لعدد تسعة عشرة دولة أوروبية من دول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر. وقد دخلت اليورو كعملة نقدية ( bank note ) بداية من يناير عام 2002 .
وقد تمتع اليورو بقوته وسعر صرفه المرتفع تجاه الدولار الأمريكي مدفوعا بقوة الاقتصاد الأوروبي، وخاصة الاقتصاد الألماني، طيلة السنوات السابقة، حيت كان اليورو يعادل 1.1747 دولار في بداية صدوره خلال عام 1999.
وقد استمرت أسعار اليورو في الارتفاع خلال النصف الأول من عام 2008 نتيجة لأزمة الرهن العقاري التي ضربت الاقتصاد الأمريكي، أو ما عرف بالأزمة المالية العالمية، حيت وصل سعر صرف اليورو دولار إلى 1.60 دولار، ونتيجة لوصول آثار الأزمة المالية العالمية لأوروبا فقد تراجع سعر صرف اليورو إلى 1.26 دولار في نوفمبر عام 2008 واستمر اليورو في الانخفاض إلى أن وصل سعره 1.20 دولار في يونيو 2010. مما يعني أن سعر صرف اليورو ليس بمعزل عن التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ويبدو أنه أكثر حساسية للمتغيرات التي تطرأ في سوق العملات الدولية.
واليوم وصل سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي أدنى مستوياته، حين وصل سعر صرف اليورو تجاه الدولار الأمريكي إلى 0.9998 دولار، وبذلك فقد اليورو 14.88% من قوته بالمقارنة بسعره خلال عام 1999، وصار سعر صرف الدولار باليورو 1.0002 يورو لكل واحد دولار أمريكي. فما هي الأسباب التي أدت إلى تراجع أسعار صرف اليورو تجاه الدولار الأمريكي وبقية العملات الأجنبية في الوقت الحاضر.
يعزى معظم المحللون تدهور سعر صرف اليورو إلى الانكماش الاقتصادي الذي تمر به أوروبا هذه الأيام حيت ارتفع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته في القارة الأوربية، منذ ثلاثين سنة، حيت وصل معدله إلى أكتر من 5%. وتكمن الاسباب الرئيسة لارتفاع معدلات التضخم، التي يجمع عليها معظم المحللين الاقتصاديين، والتي أفضت إلى تدهور سعر صرف اليورو، فيما يلي :
– ارتفاع أسعار الطاقة (الغاز) والمحروقات نتيجة للحرب الأوكرانية الروسية معززة بحالة الانكماش الاقتصادي التي تعاني منها منطقة اليورو .
– قوة سعر صرف الدولار الأمريكي على إثر قيام البنك الاحتياطي الفدرالي برفع أسعار الفائدة إلى مستويات غير مسبوقة وتوقع رفعها مرة أخرى للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأمريكي، ولجوء المستثمرين إلى طلب الدولار واتخاذه ملاذا آمنا .
– ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية ومن تم زيادة الطلب على الدولار الأمريكي العملة المستخدمة في تسعير النفط الخام والمحروقات عموما، مما عزز من مكانة الدولار كملاذ آمن .
– هناك مخاوف من تزايد معدلات الانكماش الاقتصادي في ظل معدل التضخم غير المسبوق في أوروبا وحالة عدم اليقين في الأسواق بشأن استمرار أزمة إمدادات الغاز الروسي للدول الأوروبية. الأمر الذي يعني احتمال المزيد من الهبوط في سعر صرف اليورو نتيجة لزيادة الطلب على الدولار الأمريكي الذي يستخدم في سداد ثمن المحروقات، خصوصا مع بداية فصل الخريف ودخول فصل الشتاء حيث يزداد الطلب على الطاقة (الغاز) في أوروبا مما سيفاقم الأزمة .
ويتوقف الأمر على مدى قدرة البنك المركزي الأوروبي للتدخل في اليورو في ظل تبنيه لسياسة التيسير الكمي ( quantitative easing ) والذى لم يقم برفع أسعار الفائدة منذ أحد عشرة عاما، في محاولة منه لإنعاش الاقتصاد الأوروبي، مقارنة ببنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي الذي يلعب دورا أساسيا في دعم قيمة الدولار الأمريكي برفعه لأسعار الفائدة من وقت لآخر.
والمهم هذا الموضوع التعرّف على المتضررين والمستفيدين من هبوط سعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي:
– على مستوى أوروبا تستفيد من انخفاض أسعار اليورو الشركات التي تقوم بتصدير المنتجات الأوربية للخارج نتيجة لانخفاض تكلفة استيرادها لدى الدول المستوردة، مما يؤدي إلى زيادة الطلب عليها، بينما تتضرر الشركات الأوربية التي تقوم باستيراد خاماتها ومستلزمات الإنتاج بها من خارج أوروبا، مثل شركات صناعة السيارات والطائرات التي تعتمد على مدخلات إنتاج مستوردة من الخارج وتدفع قيمتها بالدولار الأمريكي. كما تتضرر الشركات العاملة في قطاع الطاقة في أوروبا والتي تقوم باستعمال النفط الخام والغاز مثل صناعات التكرير والصناعات البتروكيماوية .
– كما يستفيد السوّاح الأجانب القادمون إلى أوروبا للسياحة أو الطالبون للخدمات العلاجية في الدول الأوربية ممن يقومون بالدفع بالدولار الأمريكي. ومن ناحية أخرى تتضرر اقتصادات الدول التي تعتمد على السوّاح الأوروبيين الذين ستواجههم مشكلة ارتفاع تكاليف الإقامة في الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي، مثل دول الخليج العربي، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على السياحة في هذه الدول، وانخفاض مداخيلها بالنقد الأجنبي.
– أما بالنسبة للاقتصاد الليبي ومدى تأثره بانخفاض سعر صرف اليورو، فيمكن تلخيص أهم هذه الآثار في الآتي :
– من المتوقع انخفاض تكلفة الواردات السلعية من أوروبا مدفوعة القيمة باليورو نتيجة لانخفاض سعر صرف اليورو ومن تم انخفاض أسعار السلع الأوروبية في الأسواق الليبية على المدى القصير .
– من المتوقع في حال استمرار انخفاض سعر صرف اليورو، انخفاض قيمة الأصول الليبية (الاستثمارات الليبية) في أوروبا، وتحقق خسائر إعادة تقييم في حال الالتزام بمعايير المحاسبة الدولية .
– من المتوقع تأثر احتياطيات المصرف المركزي المقومة باليورو والمستثمرة في بنوك ومحافظ استثمارية أوروبية، مما يؤدي إلى حدوث خسائر إعادة تقييم. ويتوقف هذا الأمر على نسبة الاستثمارات المقومة باليورو في هيكل الاستثمارات الكلية نسبة للاستثمارات المقومة بالدولار الأمريكي. كما يتوقف الأمر على مدى ما اتخذ من إجراءات احترازية لتفادي هذه الخسائر من خلال تحويل الاستثمارات المقومة باليورو إلى استثمارات مقومة بالدولار في متسع من الوقت. الأمر الذي يستوجب التحوط الشديد تجاه ما يطرأ على أسعار عملات الودائع قصيرة الأجل من التدهور المستمر المتوقع في سعر صرف اليورو .
– العمل على تنفيذ الاعتمادات المستندية لأغراض الاستيراد المقومة باليورو، للاستفادة من تدهور أسعار اليورو، وتنفيذها بتغطية كاملة .
– على المصارف التجارية تقييم ودائعها لدى المصارف المراسلة، تفاديا لتكوين مراكز باليورو، وتعرضها لمخاطر إعادة التقييم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* خبير مصرفي ليبي