الرئيسيةفي الذاكرة

في الذاكرة- في وفاة الشيخ  الزنيقري إمام جامع المجابرة بمسلاتة..

 

كتب/ خليفة البشباش

وأنا لا أزال في الإعدادية حزمت أمتعتي وحملتها متجها نحو مسلاتة، كنت مترددا في البداية كما كان أهلي نظرا لصغر سني نسبيا، عدا والدي -رحمه الله- الذي كان كثير السفر والتنقل مدركا لفوائد التجربة فقد اتخذ موقفا مشجعا مع بعض الحرص والوصايا، ثلاث سنوات .. ما ان تنتهي المدرسة وتظهر النتائج حتى أحمل حقائبي ولوحي وأترك نالوت قاصدا مدينة الزوايا والقباب والزيتون تلك قاصدا إكمال حفظ القرآن الكريم وأبقى فيها حتى تقترب بداية الدراسة من جديد.


لم يكن ثمة شيء جميل في ذلك البيت القديم المتهالك الذي سكنت فيه رفقة من جاءوا معي وقبلي لنفس الغرض، لا يوجد شبكة مياه ولا سخان ولا ثلاجة ولا شيء يذكر سوى أن ايجاره رخيص وأنه قريب من جامع المجابرة التاريخي العتيق وكان هذا عزاءنا، حين تدخل هذا المسجد ستلاحظ ثلاثة أشياء، انه منقسم لقسمين لا يتشابهان كثيرا ومن الواضح أن القسم الأيمن عتيق كثير الأعمدة والأيسر توسعة حديثة، الأمر الثاني أن أرففه فارغة لا يوجد فيها مصحف واحد لكن يوجد مصاحف تمشي على قدمين عند كل عمود وفي كل زاوية، الأمر الثالث هو ذلك الشيخ الذي يمشي وهو يتحسس الأعمدة الكثيرة لضعف نظره الشديد أو يجلس بينما “يسمع” التلاميذ حوله.. إنه الشيخ إبراهيم الزنيقري الذي قدر لي أن أنال شرف الحفظ في حلقته.

بعد أن يملي لكل طالب ما يكتب بلا خطأ وتقترب منه حين يبدأ موعد التسميع، يتمسك الشيخ بلوحك ويبدأ في تحسسها من كافة الزوايا، في اليوم التالي عندما يبدأ الشيخ في إملاء الآيات يذهب إلى الركن حيث توجد بضع ألواح تخص الغائبين! يلمسها ثم ينادي.. “يا خليفة خيره فلان اللي معاكم ما جاش، يا فلان خيره جاركم الفلاني ما جاش” كان يعوض ضعف نظره بحفظ العلامات البارزة في لوح كل طالب عنده، وكان آية في الحفظ على كبر سنه قلما رأيته يخطئ أو يتلعثم أو ربما لم أره كذلك قط، وعلى خلاف الصورة النمطية عن الشيخ فقد كان صاحب نكتة يحب إضحاك من حوله، سريع البديهة عنده رد طريف لأي موقف.


شرفني يوما بأن أعطاني مفتاح باب حلقتنا رغم أنني تعرضت لمشاكل بسببه، سمع يوما أن زملائي في المسكن غادر معظمهم لاقتراب موعد الدراسة فأصر أن أنتقل إلى بيته بقية الأيام حتى مغادرتي وأقنعته بصعوبة أنه لا يمكنني قبول ذلك، كان لهذا الرجل أثره في وفي كثيرين، كان فاضلا لطيفا شريفا آتاه الله قلبا حافظا ولسانا بذكره لافظا حسن المعاملة جميل المعشر لا تملك إلا أن تحبه وأن يبقى في ذاكرتك.
بلغني خبر وفاته هذا اليوم.. رحمة الله على شيخنا ابراهيم الزنيقري..

 

الجمعة. 18 يناير 2019م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى