الأناضول-
تمثل الاشتباكات التي وقعت بين الجيش الجزائري ومسلحين بأقصى الجنوب، بالتزامن مع مواجهات بين قوات الأمن الليبية وعناصر من “داعش”، وإعلان تونس إحباط هجوم إرهابي، مؤشرا على عودة محتملة لنشاط “داعش” بدول المغرب العربي.
فبعد أن تلقى التنظيم الإرهابي ضربات قوية في ليبيا وتونس والجزائر ما بين 2014 و2017، وتم دحره بشكل شبه كامل، قبل أن يعود مطلع يناير 2022، من تحت الرماد.
وفي 26 يناير الجاري، هاجم عدد مجهول من “داعش” دورية تابعة لـ”كتيبة شهداء أم الأرانب”، وقتلوا 3 من أفرادها، قرب جبل عصيدة على بعد نحو 80 كلم غرب بلدة القطرون أقصى جنوب غرب ليبيا، غير بعيد عن الحدود مع الجزائر.
وبحسب بيان لوزارة الداخلية لحكومة الوحدة الليبية، تمكنت الدوريات الأمنية من قتل 4 “دواعش” وتدمير آليتهم، وما زالت الجهود متواصلة لملاحقة البقية.
وبعد 24 ساعة من الاشتباكات في ليبيا، أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية، مقتل جنديين والقضاء على إرهابيين اثنين، في اشتباك مع “مجموعة إرهابية” (لم تحدِد هويتها) بولاية عين قزام، الحدودية مع النيجر.
وتبعد عين قزام، بضع مئات من الكيلومترات عن موقع الاشتباك الأول في ليبيا، لكن لا تفصلهما سوى صحراء مفتوحة، ومن السهولة بمكان قطع هذه المسافة خلال 24 ساعة، إذا لم تكن هناك عوائق أمنية أو مناخية على الطريق.
ولم توضح وزارة الدفاع الجزائرية ما إذا كانت المجموعة الإرهابية التي اشتبكت معها قواتها هي ذاتها التي نصبت كمينا للدورية الليبية.
واكتفت وزارة الدفاع الجزائرية بالإشارة إلى أن العملية أسفرت عن استرجاع رشاش ثقيل عيار “12.7 ميليمتر”، وقطعتي سلاح “كلاشنيكوف”، وسيارة رباعية الدفع، وكمية من الذخيرة من مختلف العيارات.
أما تونس التي تقع بعيدا عن منطقة الساحل في الجنوب، فأعلنت وزارة داخليتها، في 28 يناير، إحباطها عملية إرهابية كانت ستستهدف مناطق سياحية.
وكشفت وزارة الداخلية عن القبض على فتاة تونسية (22 عاما) قدِمت من سوريا بعد أن التحقت بأحد التنظيمات الإرهابية في 2020، وتلقت تدريبات هناك.
وتم توقيف المشتبه فيها بمطار قرطاج بالعاصمة تونس، حيث تواصلت خلال تواجدها بسوريا مع شخص تونسي الجنسية، الذي كان سيتولّى انتظار وصولها وتمكينها من حزام ناسف.
وتبين فيما بعد أنه عنصر إرهابي تم إيداعه مؤخرا السجن بعد تورطه في التخطيط والإعداد لعمليات إرهابية كانت ستستهدف مسؤولين بارزين في الدولة نهاية 2021، بحسب بيان للداخلية التونسية.
** إنذار بمرحلة جديدة
بعد القضاء على إمارة داعش في سرت الليبية نهاية 2016، وصد القوات الأمنية التونسية محاولة إقامة إمارة للتنظيم في بن قردان في 2017، فضلا عن وأد الجيش الجزائري لخلاياه في المهد نهاية 2014، لم يعد التنظيم يقوى على القيام بأي عملية إرهابية واسعة بالمنطقة المغاربية منذ نهاية 2019.
ولكن تزامن العمليات الإرهابية في ثلاث دول مغاربية في وقت واحد، يوحي بأن داعش ربما تمكن من جمع بعض شتاته، ويستعد لتوسيع دائرة نشاطه، خارج مناطق تمركزه في شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد.
وليس من المستبعد أن تكون هذه العمليات المتزامنة في المنطقة المغاربية جاءت من جهة مركزية واحدة وفق مخطط دولي لزعيم “داعش” الجديد منذ مقتل أبوبكر البغدادي، خاصة أنها تزامنت أيضا مع هجوم واسع شنه التنظيم على سجن غويران بمدينة الحسكة السورية (شمال شرق) في 19 يناير، واستمر لعدة أيام.
وفي 21 يناير، قتل 11 عسكري عراقي بينهم ضابط في هجوم لعناصر داعش بمحافظة ديالى (شرق)، في الوقت الذي كان القتال محتدما في سجن غويران، الذي يضم نحو 5 آلاف عنصر معتقل من التنظيم.
فهذه العمليات التي انطلقت من سوريا والعراق ثم ليبيا والجزائر وتونس، تبدو مترابطة، بشكل يمكن القول، بأنها إنذار لبداية مرحلة جديدة لنشاط التنظيم في المنطقة العربية، بعدما تركز نشاطها في الفترة ما بين 2019 و2021 في إفريقيا وبدرجة أقل في أفغانستان.
ويمكن أن توصف العمليات الأخيرة في الدول المغاربية الثلاث بأنها جس نبض لإمكانية إعادة الانتشار في جنوب الصحراء الجزائرية والليبية، التي استخدمت في السنوات الأخيرة كنقاط عبور من العراق وسوريا نحو معقلهم الجديد في شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد.
** انكشاف نقاط العبور
المناطق التي وقعت بها الاشتباكات في ليبيا والجزائر، تقع في نطاق طريق عبور عناصر داعش وقياداته من العراق وسوريا إلى ليبيا ثم إلى الجزائر ومالي النيجر ونيجيريا.
فبحسب معهد الدراسات الأمنية الإفريقي، الواقع في جنوب إفريقيا، فإن عناصر “داعش” وفرعه “ولاية غرب إفريقيا”، يفضلون استخدام طريق “ليبيا -الجزائر- مالي – النيجر – نيجيريا”، بدلًا من الممر المباشر (والأقرب) بين ليبيا والنيجر ونيجيريا.
وعادة لا تفضل الجماعات المسلحة القيام بعمليات إرهابية واسعة في مناطق العبور حتى لا يتم لفت انتباه القوات المحلية والقوى الإقليمية والدولية إليها، كي لا يتم قطع هذه الخطوط أو تشديد الرقابة الأمنية حولها.
لكن حجم الهجومين في ليبيا والجزائر لم يكن كبيرا حيث تم القضاء على ما مجموعة 6 عناصر إرهابية وتدمير عربتين مسلحتين، ويعكس ذلك أن هذه القوة كان هدفها استعراضيا بالدرجة الأولى، وأيضا لجس نبض مدى استعداد القوى الأمنية خاصة في ليبيا للتعامل مع أي انتشار للتنظيم في الجنوب.
أما في الجزائر فليس من المستبعد أن يكون الاشتباك عرضيا أثناء فرار الجماعة الإرهابية نحو معاقلها في النيجر ونيجيريا بعد مطاردة الدوريات الأمنية الليبية لها قرب الحدود المشتركة مع الجزائر، التي عادة ما تعزز تواجدها العسكري على الحدود بعد أي حادث أمني لدى جارتها الشرقية.
والفرضية الأخرى أن يكون هجوم العناصر الإرهابية في عين قزام يهدف إلى تسهيل فرار عناصر داعش من ليبيا عبر مثلث الحدود مع الجزائر والنيجر.
ونقطة ضعف داعش الرئيسية فقدانه حواضن شعبية في الجزائر وليبيا وحتى في تونس، وتعرضه لنزيف شديد من حيث الأفراد خلال الفترة ما بين 2014 و2019، لكنه بالمقابل مازال قادرا على التمدد والتجنيد في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
وإذا فشلت دول الساحل الخمسة (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا) بالإضافة إلى نيجيريا والكاميرون في تحجيم نشاط الجماعات الإرهابية على أراضيها، فإن دول خليج غينيا وحتى البلدان المغاربية ستجد نفسها وجها لوجه في مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة.