الحرة-
يبدو أن توقيع أنقرة مذكرتي تفاهم، الاثنين، مع حكومة الوحدة الوطنية في العاصمة الليبية، طرابلس، كان بمثابة “دق مسمار جديد في نعش مسار إعادة تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا”، كما يعتقد مراقبون.
فبعد ساعات قليلة من مؤتمر صحفي لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع نظيرته الليبية، نجلاء المنقوش، في طرابلس، أعلن خلالها توقيع مذكرتي تفاهم “في مجال الموارد الهيدروكربونية” وفي مجال الغاز، أعلنت مصر رفضها لهما على اعتبار أن حكومة الوحدة الوطنية، “منتهية الولاية ولا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم.
“غضب مصري“
وأكد مدير تحرير صحيفة “الأهرام” الحكومية المصرية، أشرف العشري، في حديثه مع موقع “الحرة” أن “القاهرة غاضبة جدا منذ حدوث ذلك بدليل ما قاله (وزير الخارجية المصري) سامح شكري مع نظيره اليوناني في البيان، بأن هذه الاتفاقيات غير مقبولة ولا يمكن الاعتراف بها، وأنها أبرمت من خلال حكومة منتهية الولاية”.
من جانبه يرى الخبير القانوني الليبي، مجدي الشبعاني، في حديثه مع موقع “الحرة”، أن الغضب المصري “لا مبرر له”، مشيرا إلى أن حكومة الوحدة الوطنية وإن كانت تسيير أعمال فهي المعترف بها دوليا، شاء من شاء وأبى من أبى، هذا هو الواقع”.
ويقلل الشبعاني من أهمية الخطوة بأنها تتعلق بتوقيع مذكرة تفاهم، “وهو أمر يختلف عن الاتفاقيات التي يمكن أن تتأثر بالوضع الأمني أو الاقتصادي أو الإقليمي في المنطقة، نحن نتحدث عن مذكرة تفاهم وهي أدنى الدرجات، ولا نتحدث عن اتفاقية أو بروتوكول عمل”.
جاء رفض القاهرة في بيان، يتعلق باتصال هاتفي جرى بين وزير خارجية مصر، سامح شكري، ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، والذي تتمتع بلاده بعلاقات متوترة مع تركيا تتصاعد مؤخرا.
وكتب دندياس على تويتر عن مكالمته الهاتفية مع شكري، أن الجانبين طعنا في “شرعية توقيع حكومة الوحدة الوطنية الليبية مذكرة التفاهم المذكورة”، وأنه سيزور القاهرة للتشاور يوم الأحد.
ويرى المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، في حديثه مع موقع “الحرة” التصريحات المصرية بأنها “تغريد خارج السرب، وهي التي تريد أن تكون مع الحلف المعادي لتركيا وهم اليونان وقبرص وإسرائيل”.
كما يعتقد الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، في حديثه مع موقع “الحرة” أنه “على الرغم أن توقيت الاتفاق الجديد مع ليبيا، وإن كان يهدد بفشل المساعي التركية لتطبيع العلاقات مع مصر، لكنه في نفس الوقت، يعد ردا قاسيا على ما تصفه تركيا باستفزاز اليونان لها من خلال عسكرة بعض الجزر في بحر “إيجة”.
اتفاقيات 2019
ويعتبر الشبعاني أن رد الفعل المصري “امتداد للغضب السابق فيما يتعلق بالمنطقة الاقتصادية واتفاقية 2019 الخاصة بالتنقيب عن النفط في المنطقة الخالصة بين ليبيا وتركيا، وكانت هناك اتفاقية مقابلة لها ما بين قبرص واليونان ومصر”.
وأوضح أن “سبب الخلاف الآن أن مذكرة التفاهم الجديدة تناولت تفعيل جزء كبير من اتفاقية 2019 التي أبرمت بين حكومة السراج وتركيا”.
ويقول يوسف كاتب أوغلو إن “مذكرة التفاهم تنص على الاستفادة من الاتفاقيتين المبرمتين في شهر أكتوبر 2019، الأولى المتعلقة بترسيم الحدود البحرية، والثانية اتفاقية أمنية، وما تم توقيعه بالأمس، هو كيفية التعاون المشترك والاستفادة في تبادل المعلومات واستخراج الثروات الطبيعية الهيدروكربونية من نفط وغاز في المناطق البحرية المشتركة بين الدولتين، وتأسيس شراكات بين شركات القطاعين العام والخاص بين الدولتين للتنقيب عن الثروات واستثمارها وبيعها”.
وأبرمت أنقرة اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري مثير للجدل في 2019 مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرها طرابلس. وفي أغسطس 2020 ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.
ويسمح الاتفاق البحري لأنقرة بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي.
في المقابل، ساعدت تركيا عسكريا حكومة طرابلس السابقة في صد هجوم منتصف عام 2020 على العاصمة شنه حفتر.
في نهاية 2020، وافق البرلمان التركي على اقتراح بتمديد الإذن بنشر الجيش في ليبيا لمدة 18 شهرا، حيث تواصل أنقرة ممارسة نفوذ كبير في جميع أنحاء الجزء الغربي.
“أعمق بكثير“
يعتقد الشبعاني، في حديثه مع موقع “الحرة” أن الخطوة التركية فيما يتعلق بالتقارب في مجال الطاقة الليبي “أعمق بكثير مما يراه البعض”.
ويقول لموقع “الحرة”، إن “تركيا تريد أن تعمل على تأمين خطوط نقل الطاقة في أوروبا فيما يتعلق بالغاز والنفط، وتريد أن تكون هذه الخطوط تحت حمايتها وإشرافها كدولة فاعلة وذات تأثير على روسيا وتتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وأوروبا، فهي تريد أن يكون لها دور محوري في هذا الأمر مع قدوم شتاء قارس وحاجة أوروبا للغاز بعيدا عن روسيا”.
سباق مصري تركي على ليبيا
وبجانب حكومة الدبيبة التي انبثقت عن اتفاق سياسي قبل عام ونصف العام ويرأسها عبدالحميد الدبيبة، فهناك حكومة ثانية برئاسة، فتحي باشاغا، عينها البرلمان في فبراير ومنحها ثقته في مارس وتتّخذ من سرت (وسط) مقرا موقتا لها بعدما مُنعت من دخول طرابلس رغم محاولتها ذلك.
وتركيا داعم كبير لحكومة الوحدة الوطنية، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، والتي يطعن البرلمان الليبي في شرعيته، أما مصر فكانت أول دولة تصدر بيانا تؤيد فيه اختيار البرلمان الليبي حكومة باشاغا.
العلاقة بين القاهرة وأنقرة
التطورات الأخيرة، أثارت التساؤلات حول العلاقات بين القاهرة وأنقرة، والتي دعا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في أغسطس الماضي إلى مواصلة العمل “على المستوى الوزاري”، على أن يتم اتخاذ خطوة أخرى “بأفضل الطرق نحو المستويات الأعلى”، مؤكدا أنه يريد “ضمان الوفاق مع الشعب المصري الشقيق بأسرع وقت.. ولا يمكن أن نكون في حالة خصام معه”.
ورغم أن أولى الخطوات التي اتخذتها تركيا لإصلاح علاقاتها الإقليمية قبل أكثر من عام كانت باتجاه مصر، إلا أن هذا المسار يتحرك ببطء، بل حتى أن مراقبين كانوا يقولون في وقت قريب إنه “يراوح مكانه”، وعالقٌ في “محادثات استكشافية”.
وقال المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، لموقع “الحرة” إن بلاده “حريصة على أن تكون هناك علاقات جيدة مع مصر واتفاقيات في موضوع الغاز وشرق المتوسط”، متوقعا أن “يكون هناك تقارب تركي مع مصر من أجل محاولة إعادة المياه على مجاريها من أجل ترسيم حدود مشتركة مع تركيا حسب الجرف القاري لكل دولة”.
لكن الكاتب المصري، أشرف العشري، أكد في حديثه مع موقع “الحرة”، أن إجراءات إعادة العلاقات بين مصر وتركيا توقفت أو “حصل نوع من الجمود في الفترة الأخيرة”.
وحول زيارة وفد من رجال الأعمال الأتراك للقاهرة مؤخرا قال الكاتب المصري، أشرف العشري، إن “العلاقات التجارية تسير كما هي ولم يحدث فيها قطيعة أو توقف حتى في ظل تجميد العلاقات بعد 2013″، مشيرا إلى أن حجم التجاري بين البلدين يبلغ خمسة مليارات دولار.
وأوضح أن “الجانب الاقتصادي والتجاري قائم كما هو، لكن على المستوى الأمني والاستخباراتي والسياسي والدبلوماسي، بعد أن كان قد حدث نوع من الانفراجة، عادت الأمور إلى المربع رقم واحد في الأيام الأخيرة”.
وأوضح أن “المصريين لديهم شروط ومطالب والأتراك لم ينفذوها، وشعروا أن هناك خديعة تركية تحدث، وأن كل ما أرادته أنقرة هو استكمال الصورة بإعادة العلاقات مع السعودية وإسرائيل والإمارات وبالتالي مصر”.
وأشار العشري إلى أن “وضع مصر كان يختلف عن هذه الدول الثلاث، وترى أن الأتراك غير جادين في توفير استحقاقات وإجابات على تساؤلات مصرية بالغة الأهمية تتعلق سواء بالعلاقات الثنائية أو التواجد التركي في ليبيا وفي منطقة شرق المتوسط”.
مفاجآت مصرية
وأكد العشري أن “الأيام القادمة ستشهد الكثير من المفاجآت من القاهرة سواء باتجاه حكومة الدبيبة أو تركيا، توقع سيناريوهات مصرية عديدة”.
وقال “قد تشمل التحركات المصرية إبرام اتفاقيات مع حكومة فتحي باشاغا أو حتى خليفة حفتر أو اجتماعات في القاهرة، هناك مفاجآت تعد في الطريق، للرد عليها بخطوات مماثلة إن لم تكن أشد قسوة، وهذا سينعكس بشكل سلبي على أي نوع من خطوات فتح مجال أو مسار العلاقات المصرية التركية”.
من جانبه يرى المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن “هذه التصريحات من الطرف المصري وغيره ما هي إلا جعجعات لن تغير من الواقع في شيء”.
لكن المحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، يرى أن “هذا التوتر الجديد يضع المنطقة مجددا على صفيح ساخن من احتمال انهيار التهدئة السارية في شرق المتوسط منذ نحو عامين”.