رأي- والآن، هل أنت حيادي؟
* كتب/ نوري القايد
تثاءبت أفواه كثير من المثقفين وهم يكررون عبارات رفض الحرب وتنظيرات لعنة الدم والدمار مؤكدين قدسية الحياد ومنطقية هذا الموقف الذي لا يميل لطرف دون طرف.
في هذه الحرب يفتح المتصالح مع الكل فمه لينطق بكلام كثير حول الخراب والفساد والاعتمادات والعادات الاجتماعية، و يقفز بحرفية الأرنب على أحاديثه السابقة عن الحرية والمساواة والديمقراطية ليقف منها موقف الحياد و ينسى بسرعة أنه يحيد مبادئه ويبتعد عن مبعث الحياد نفسه، فمن الذي مكن له أن يتخذ موقفا أصلا ؟ ومن الذي صنع له هذه المساحة ليتكلم ويقف فيها؟
الوقوف محايدا من المعتدين ليس موقفا مشرفا، ولا يحق لصاحبه أن يتحدث عن الحرية والعدالة الاجتماعية وكل المبادئ التي يتبناها الليبيون الذين وقفوا من هذه المبادئ موقف المدافع لا موقف المحايد.
وحول طرابلس تدفع القوات الحكومية هجومات المتمردين الذين تشكل قواتهم خليطا من أسوأ ما يكون من اللصوص المحليين والمرتزقة المستوردين من جنجويد السودان وفاغنر روسيا وغيرهم، وهذا ليس خفيا على كل ناظر؛ لكن بعض المعتاشين من أوهام الثقافة الاستعلائية لا ينظرون ولا يحسبون أن كل المقاتلين ضد الحرب والدمار وفي الغالب دفعوا لها دفعا ليصونوا المبادئ وينصروا قضايا لطالما نادى هؤلاء المثقفون بنصرتها، وعندما حصل الهجوم سكنوا سكون الأصنام، ووقفوا موقف الجبان من هذه القضايا وتعذروا عن دفع الاعتداء بالحياد.
أما في الجهة الشرقية من ليبيا فالأصوات اختفت أو تكاد، فلا يسمح حتى بالحديث عن الحياد، حيث لابد أن تعلق صورة حفتر و تكرر أنك معه وتدعو له دعاء العبد المطيع، فالسكوت شبهة، والكلام في غير السياق تهمة تصل للخيانة؛ فكتيبة أولياء الدم لم تترك حتى النساء والأطفال؛ وكتيبة التوحيد ذات التوجه السلفي تزداد تغلغلا كل يوم، وبمجرد أن تكلمت النائبة البرلمانية سرقيوة بكلمات رافضة للحرب؛ انقضت عليها مليشيات مجهولة التوجه والهوية وأخفتها في مشهد مرعب كفيل بأن يوضح “للحياديين” أن الحياد ستار شفاف لا يواري سوأة هؤلاء.