الرئيسيةالراي

طرابلس الإعلامية بين الانطلاقة والاختبار الحقيقي

* كتب/ د. محمود أبوزنداح،

تنطلق فعاليات طرابلس الإعلامية وسط مشهد منقسم بين إعلاميين حاضرين وآخرين مغيبين أو مقاطعين، وبين آراء تتراوح بين التشدد والمطالبة الصريحة بالحقوق الكاملة للصحفيين وبين من يتعامل مع الحدث كأمر شكلي لا يتجاوز حدود الصورة والبروتوكول.

هذا الانقسام ليس مجرد اختلاف رأي، بل هو انعكاس لحالة إعلام يعيش تحديات حقيقية: غياب الضمانات المهنية، واحتكار وسائل التعبير، وتراجع قيمة الصحافة التقليدية أمام موجة الإعلام السريع والمحتوى السطحي الذي يقوده المؤثرون لا الصحفيون.

فالصحافة ليست شاشة جميلة ولا صورة مُفلترة، بل واقع ملموس يتنفس بين الناس، يعيش معهم في طوابير الانتظار، ينقل معاناتهم في المستشفيات حين يفتقد المريض إلى الدواء، ويرافق الأسرة في رحلة البحث عن الكتاب العلمي، والأمل، والحقوق.

الصحف الورقية التي يحاول البعض تهميشها لم تكن يومًا مجرد أوراق مطبوعة، بل ذاكرة وطن ومرآة مجتمع وضمير حي. ولو تغير الزمن وتطور الشكل، تبقى الرسالة واحدة: الحقيقة أولًا.

فهل يُعقل أن تقصى أصوات لصالح محتوى سريع فارغ، أو شعارات فضفاضة لا تتجاوز حدود الشاشة، لكنها تُصيب عقول المراهقين بتزييف الوعي بدل بنائه؟

الصحافة ليست حبرًا على ورق، بل مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مهنة، ومساحة بيضاء تبقى نقية لأن الحقيقة لا تتلوث.

ولذلك فإن أي حديث عن تطوير الإعلام دون تشريعات تحمي الصحفيين وتضمن استقلال المؤسسات الإعلامية هو حديث ناقص لا يكتمل. فالإعلام الحر لا يُصنع بالتصفيق أو الدعم الموسمي، بل بقوانين تحميه وتمكّنه وتفصل بينه وبين السلطة والمال والضغط.

ويُطرح هنا سؤال مشروع:
لماذا تُصرف ميزانيات ضخمة لدعم مجالات كالألعاب الرياضية أو مشاريع ثانوية، بينما يعجز الإعلام الوطني عن الحصول على جزء يسير من هذا الدعم؟ وإن وصل الدعم، فلماذا لا يصل لمن يستحقه من الصحفيين الذين يعيشون واقع الناس لا صورهم؟

إن مستقبل الإعلام في ليبيا لن يُبنى بالشعارات، بل بإرادة حقيقية تحترم دور الإعلام والصحافة في كشف الحقيقة وحماية المجتمع وتعزيز وعيه. ونقل ثقافة وصورة حقيقية عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى