الرئيسيةالراي

رأي- قيس سعيّد.. الديكتاتور المنتخب..!!

* كتب/ خالد الجربوعي،

الرئيس التونسي “قيس سعيّد” وصل إلى كرسي السلطة عن طريق انتخابات  ديمقراطية، جرت في2019م، ربما في مفاجأة غير متوقعة إلى حد ما.. خاصة إنه لم يكن من الشخصيات السياسية المعروفة، والتي لها مكان في المشهد التونسي، لكن رغبة التونسيين في التغيير، والبحث عن وجوه جديدة، تغير المشهد نتيجة ما كانت تعيشه من صراع حاد وفوضى بين الجماعات والأحزاب المعروفة، وما يحدث من صدم سياسي وإعلامي وجسدي في بعض الأحيان، خاصة داخل البرلمان التونسي، جعل التونسيين يبحثون عن وجه جديد يبعد الوجوه المعروفة عن الساحة، وهو ما استفاد منه “سعيّد”، الذي لم يكون له حتى حزب حقيقي خلفه.

المهم بعد نجاحه ووصوله إلى رأس السلطة في تونس ظن البعض أنه سيكون لقمة سائغة، يمكن السيطرة عليه من هذه الأحزاب والجماعات أو تلك، لتقوده لتحقيق رغباتها، وما عجزت في الوصول إليه من خلال شخصوها، واستلم “سعيد” السلطة ودخل قصر قرطاج رئيسا لتونس، وسط ترقب وانتظار لما يمكن أن يحدث ويكون في قادم الأيام والأحداث.

ومن هنا بدأ التغيير الحقيقي للوضع التونسي، لكنه وبكل أسف كان تغييرا خارج المسار، وبعيدا عن المتوقع، وما يفترض أن يحدث في دولة دشنت قطار التغيير وإسقاط الأنظمة الدكتاتورية وحكم الفرد في الدول العربية، بعد عقود من الزمن، وكان من المنتظر أن تكون نقطة الضوء الوحيدة ولو مؤقتا بين نقاط سوداء ودول تقودها الأنظمة الدكتاتورية، والطغاة ويسيطر عليه حكم الفرد والعائلات.

لكن ما حدث غير كل ذلك، وأسقط كل هذه الآمال والأحلام تونسيا وعربيا.

ففي حدث غير مسبوق ولا متوقع، وبدل أن يعزز المسار الديمقراطي ويحسن الوضع ويفتح الباب للتنوع وقبول الرأي الآخر، وإصلاح ما كان يحدث من صراعات قبل وصوله إلى السلطة.. قلب كل ذلك، وبحث عن إعادة ما كان قبل قطار التغيير، وعمل على العودة إلى مسار الأنظمة الديكتاتورية المفترض أنه سقط وانتهى، لكن كل ذلك ذهب إلى الهواء، وأعاد “سعيد” الأمور إلى ما قبل 2011م، بل أسوأ من ذلك بكثير، فأسقط كل حلم بالديمقراطية تونسيا وعربيا، بعد أن ظن البعض أن نجاح الديمقراطية في تونس سيفتح الباب أمام بقية الدول الأخرى للسير في نفس المسار.

فكان الانقلاب العكسي الذي خرج عن المسار المعتاد للانقلابات، والتي في العادة تقوم بها جماعات من خارج السلطة، وخاصة العسكر، لإسقاط الرئيس وتغيير النظام، لكن ما حدث هذه المرة أن رأس السلطة والرئيس هو من انقلب على كل المسار وبقية السلطات الأخرى، وغيّر كل المعادلة في كل المنطقة العربية.. بانقلاب أسقط من خلاله البرلمان، ومنع اجتماعاته، ثم انقلب على دستور البلاد وألغى وجوده بجرة قلم، وفتح الباب للعمل بالمراسيم الرئاسية الفردية، لفترة ليست قصيرة من الزمن، دون أي مشاركة من بقية المؤسسات والسلطات الأخرى.. حتى أنتج بنفسه دستورا شخصيا لا علاقة له لا بالديمقراطية ولا المشاركة السياسية، ولا ما كان مطلب من خرجوا للتغيير في تونس في سنة 2010 – 2011م.. دستور شخصي رفضه حتى أعضاء اللجنة التي شكلها لصياغة بنوده، بعد أن أسقط ما كتبوه وأخرج دستورا مغايرا لما أشاروا به عليه.. دستورا منح من خلاله  الصلاحيات لنفسه لفعل ما يحلو له دون حسيب أو رقيب أو معارض.. ثم عمل على إجراء انتخابات برلمانية وهمية، دون أحزاب أو معارضة، ليعيد صورة البرلمانات العربية الوهمية والمعتادة، والتي تكون مجرد لعبة في يد الرئيس يحركها متى يشاء وكيفما شاء، ومانعا كل رأي معارض، فاتحا السجون بشكل لا سابق له، لتكون وجهة ومقصدا لكل صوت معارض، أو خارج منظومته الدكتاتورية، ومن كل الأطياف والجماعات حقا وباطلا، وحتى الإعلام والصحافة أسقط عنها كل ما نالته من حرية، وحققته من مكاسب طيلة عشر سنوات، ما بعد يناير 2011م.

فمنعت البرامج السياسية التي انتشرت في القنوات التونسية وأصبحت تشد المتابع التونسي وحتى العربي بشكل لا سابق له، رغم بعض الهفوات والقصور.. لكنه كان أمرا جيدا يمكن إصلاحه مع الوقت، حتى تحولت جل القنوات التونسية اليوم إلى مجرد أسواق مرئية ليس لها ما تقدمه إلا الدعاية للسلع والمنتجات التجارية، وإعادة المسلسلات والبرامج المتكررة دون أي جديد، أو مجال لفتح باب الحوار والبرامج الحوارية المعتادة، التي كانت تتصدر شاشاتها طيلة سنوات سابقة خاصة السياسية منها، والتي قد تخالف منهجه وتوجهاته السياسية للسيطرة على البلاد، بشكل فردي لا شريك له ولا مثيل، ربما حتى قبل متغيرات 14 يناير 2011.. بعد أن زج بجل مقدميها وضيوفها في السجون، بتهم لا حد لها، ومن نجا من ذلك منع من الخروج على الشاشات، وأصبح حبيس البيت لا مكان له في المشهد العام، ولا يحق له الحديث عن ما يفعله الرئيس الديكتاتور، من أفعال إلا بالتهليل والدعم والتطبيل أو التوقف والابتعاد عن الشاشات، ونقد كل الأحداث. فيما فتح الباب للداعمين له ومن يدورون في فلكه، ولا ينتقدون أي فعل من أفعاله، ليتصدروا المشهد وتفتح لهم كل القنوات التي أرادت أن تكون جزءا من داعميه بطريقة أو بأخرى.. بل حتى في الانتخابات التالية التي جرت في سنة 2024م، والتي أعادت انتخابه رئيسا مرة أخرى ليستمر على كرسي السلطة في تونس، كانت مجرد انتخابات شكلية لا قيمة لها.. بعد أن منع كل منافسيه ومن يخشى منهم من الترشح بكل الطرق، بين سجن البعض ورفض ترشح البعض الآخر، ومطاردة بعضهم إلى خارج البلاد، ولم يسمح إلا لبعض من يدورون في فلكه، ومن لا يخشى منهم أحدا لمنافسته بالترشح، ومن قال أحدهم إنه سينتخب “سعيد” ليكون رئيسا رغم أنه مترشح لمنافسته كما يفترض! ولا نستغرب أن يستمر في مثل هذا الفعل في كل سنة انتخابية دون أن يحدد لنفسه مدة زمنية تنهي ترشحه ووجوده على رأس السلطة، بحجة المطالبة الشعبية كما فعل ويفعل كل ديكتاتور طيلة العقود الماضية، في الجمهوريات العربية الوهمية.

إن ما حدث في تونس بعد وصول “قيس سعيد” إلى السلطة قلب كل الموازين، وغيّر كل المعطيات والمطالب، وأسقط كل حلم وأمل، بإنتاج دولة ديمقراطية حقيقية كانت إحدى مطالب إسقاط بن علي، ومطلب لكل دول المنطقة التي مر بها قطار التغيير، وإسقاط الأنظمة خلف تونس في 2011 وما بعدها..

فما قام به أمر لا يصدق، ولم يحدث حتى من قِبل من ثار عليه الشعب التونسي يوما، ليكون بامتياز الديكتاتور المنتخب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى