اخبارالرئيسيةثقافة

توثيق أكثر من 60 موقعًا أثريًا بمصراتة وجهود مستمرة لصون الذاكرة التاريخية

‏من بين الحجارة والرمال توباكتس تنقّب عن ذاكرة مدينة بأكملها

 

بن سعود: رسالتنا أن نحفظ الماضي، لنمنح المستقبل ذاكرة تستحق أن تُروى

محمد اللديد- الناس-

في ظل ما تزخر به ليبيا من مواقع أثرية وشواهد تاريخية تعبّر عن عمق حضارتها وتنوعها الثقافي، برزت مؤسسة توباكتس للموروث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية كأحد أبرز المبادرات المجتمعية التي تسعى إلى توثيق وحماية هذا التراث العريق، جاء تأسيس المؤسسة بدافع الحب والانتماء لمدينة مصراتة، وحرصًا على نقل ذاكرة المكان للأجيال القادمة.

في هذا اللقاء نسلّط الضوء على تجربة المؤسسة، أهدافها، وآليات عملها، مع السيد “منير بن سعود”- رئيس مجلس إدارة مؤسسة توباكتس للموروث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية، الذي حدّثنا عن بداياتها وطموحاتها المستقبلية في مجال حفظ التراث وتوثيقه.

بداية، نود التعرف إلى مؤسسة توباكتس. كيف نشأت، وما رؤيتها الأساسية؟

كانت البداية بجهد فردي بسيط، إذ قمت بتصوير ونشر المواقع التاريخية والأثرية عبر صفحتي الشخصية على “فيسبوك”، مع تقديم نبذة تعريفية عن كل موقع بهدف التعريف بالموروث الثقافي لمدينتنا.
ومع مرور الوقت، تلقيت دعمًا وتشجيعًا من الأصدقاء والمتابعين الذين حثّوني على تحويل هذا الجهد الفردي إلى عمل مؤسسي منظم يخدم المجتمع بصورة أوسع.

ومن هنا وُلدت فكرة تأسيس مؤسسة توباكتس للموروث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية، حيث قمت باختيار مجموعة من المهتمين بالشأن التراثي ليكونوا شركاء في التأسيس.
أما اسم “توباكتس” فقد اخترناه ليكون رمزًا لهوية مدينة مصراتة القديمة وارتباطًا بتاريخها العريق وعمقها الحضاري.

‏ عدد المواقع التي تم توثيقها في مدينة مصراتة؟

بلغ عدد المواقع الأثرية التي قامت المؤسسة بتوثيقها داخل مدينة مصراتة 63  موقعًا أثريًا، تم رصدها وتوثيقها ميدانيًا وفق معايير محددة.

‏ أكثر حقبة زمنية كانت شاهدة على المواقع التي زرتموها؟

تشير الدراسات إلى أن أقدم استيطان بشري في المنطقة كان في جهة دوفان خلال العصور الحجرية، ثم تلتها حقب تاريخية متعاقبة ظهرت آثارها في مناطق مثل قصر أحمد “كيفالاي”، العرعار، ميناء الرومية، والحمامات الرومانية، وهي شواهد على ازدهار مصراتة منذ العصور القديمة. كما كشفت مواقع في الدافنية وأبو روية وزريق والفلل الرومانية على الساحل عن وجود حياة مزدهرة وتعايش بين السكان الأصليين والمستوطنين القدماء.

‏ ما هي الآليات التي تعتمدها المؤسسة في توثيق المواقع والمقتنيات التي تزورها؟

تعتمد المؤسسة على التوثيق المكتوب وفق كشوف ميدانية دقيقة، بالإضافة إلى التوثيق الإعلامي عبر نشر الصور والمعلومات في منصات التواصل الاجتماعي. كما نعمل على إعداد كتيب ورقي يضم الزيارات والبيانات الموثقة بشكل شامل.

‏ كيف تتعاملون مع مشكلة اندثار بعض المواقع في مدينة مصراتة خصوصاً وأن هناك مواقع جرى الاعتداء عليها أو بقي جزء بسيط منها؟

نحن نؤدي دورًا توعويًا وتحسيسيًا بالدرجة الأولى، سواء تجاه المواطنين أو الجهات المسؤولة، حيث نعمل على التنبيه إلى أهمية حماية هذه المواقع من العبث والاعتداءات، وإن كان ليس لنا سلطة تنفيذية لمنع التجاوزات.

‏ بعض المواقع تمت عملية صيانتها بطريقة غير تخصصية كيف تتعاملون مع هذه المواقع؟

نقوم بتوثيق هذه الحالات، مع التنبيه على الطرق العلمية الصحيحة في الصيانة والترميم، ونركز على رفع الوعي بضرورة إشراك المختصين في عمليات الترميم للحفاظ على القيمة التاريخية والأثرية للمكان.

‏ هل تركيزكم منصب نحو التوثيق فقط أم سنرى مشاريع قادمة من المؤسسة لإحياء التراث والحرف التقليدية؟

في الوقت الحالي يتركز عملنا على التوثيق والتوعية، لكننا نطمح مستقبلاً إلى إطلاق مشروعات لإحياء الحرف التقليدية المهددة بالاندثار، سواء من خلال التوثيق أو تدريب الأجيال الجديدة على ممارستها، إذا توفرت لنا الإمكانيات والدعم اللازم.

‏ كيف تتعامل المؤسسة مع موضوع تلاشي بعض الحرف التقليدية في المدينة وما هي جهودكم في ذلك؟

نعمل على التواصل مع الحرفيين القدامى لتوثيق ما تبقى من حرفهم، وتشجيع المهتمين من الشباب على تعلمها. كما نخطط لإدراج هذا الجانب ضمن البرامج المستقبلية للمؤسسة حفاظًا على الموروث الحرفي لمدينتنا.

‏ مدى تعاونكم مع الجهات الحكومية أو الدولية في التوثيق وحفظ التراث؟

نثمن تعاون الجهات الحكومية المحلية رغم محدودية إمكانياتها، ومن بينها مكتب الآثار بمصراتة، جهاز الشرطة السياحية وحماية الآثار، مكتب السياحة مصراتة ووزارة السياحة.
أما على الصعيد الدولي، فلم نُجرِ بعد أي تواصل رسمي، لكننا نرحب بأي تعاون مستقبلي يخدم أهداف المؤسسة.

‏ كلمة أخيرة في هذا اللقاء؟

أدعو الجميع  أفرادًا ومؤسسات، كبارًا وصغارًا  إلى الاهتمام بالتراث والآثار وصونها، فهي هوية وطنية ومورد اقتصادي واعد.
ولنا في تجربة مصر التي افتتحت أكبر متحف للآثار في العالم مثال يُحتذى به، فالسياحة الثقافية يمكن أن تكون من أهم مصادر الدخل القومي إذا ما أُحسن استثمارها.

يختتم هذا اللقاء بإضاءة على الدور الريادي الذي تقوم به مؤسسة توباكتس للموروث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية في حفظ ذاكرة المكان وصون التراث المادي واللامادي لمدينة مصراتة.
فما بدأ كجهد فردي شغوف تحوّل إلى عمل مؤسسي يسعى إلى بناء وعي مجتمعي بأهمية التراث كقيمة حضارية واقتصادية في آنٍ واحد.
ومن خلال أنشطتها التوثيقية والتوعوية، تضع المؤسسة لبنة أساسية في مشروع وطني أشمل لحماية الهوية الليبية وتعزيز حضورها الثقافي محليًا ودوليًا.
ويبقى الأمل أن تجد هذه الجهود الدعم الكافي من الجهات الرسمية والمجتمعية لتستمر توباكتس في أداء رسالتها النبيلة: أن نحفظ الماضي، لنمنح المستقبل ذاكرة تستحق أن تُروى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى