
ذا سنتري: تزايد أنشطة التهريب ساهم في انخفاض قيمة الدينار الليبي مما اضر بالأسر في جميع أنحاء البلاد
الناس-
كلف تهريب الوقود من ليبيا حوالي 20 مليار دولار بين عامي (2022- 2024) وفق ما نشرت منظمة (ذا سنتري) الأمريكية المستقلة والتي تعمل تحت المظلة الفكرية لمؤسسة The Enough Project.
ودعت المنظمة إلى حماية مصدر الدخل الرئيسي لليبيين، مشيرة إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط استغلت وأضعفت من قبل شخصيات نافذة في طرابلس وبنغازي على حد سواء، رغم أن هذه الشخصيات تفتقر إلى أي سلطة شرعية على الشؤون الداخلية للمؤسسة.
وأشار التقرير الذي نشر في النصف الأول من نوفمبر 2025، إلى أن الزيادة الأخيرة في التهريب “قد تكون منسقة من قبل عائلة حفتر لكنها تمت بالتواطؤ غير المباشر مع شخصيات مرتبطة بحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس. وتشمل المسؤولية كذلك مناطق في غرب ليبيا، حيث يدير أمراء حرب محليون مثل محمد كشلاف من الزاوية وعمر بغدادة من مصراتة (المقرّب من رئيس الوزراء الدبيبة) عمليات نقل الوقود بحرًا وبرًا، بينما تتجه كميات كبيرة جنوبًا حيث تستلمها قوات حفتر”.
وزعمت المنظمة أن قادة الأمن هؤلاء “الذين يدعون خدمة الشعب ومحاربة الجريمة المنظمة، هم في الواقع المهندسون الرئيسيون لصناعة تهريب الوقود في ليبيا، غالبًا بدعم من دول أجنبية”.
ورجحت أن يستخدموا ثرواتهم الهائلة غير المشروعة لترسيخ أنفسهم أكثر، وأنه بدون تدخل دولي قوي لمحاسبة الجناة، ستواصل الجهات الفاعلة داخل المؤسسة الوطنية للنفط وخارجها تقويض الجدوى الاقتصادية لليبيا.

التقرير جاء باللغة الإنجليزية في حوالي سبعين صفحة، وقد نشرت المنظمة على موقعها ملخصا له باللغة العربية في حدود (700) كلمة، أشارت في مطلعه إلى أن تهريب الوقود أصبح أزمة وطنية كبرى في ليبيا، يكلفها سنويا حوالي 6.7 مليار دولار. وعدته أحد أكثر الأنشطة غير المشروعة استمرارا في ليبيا، حيث استغلت بعض الجهات الرئيسية بمساعدة خارجية دعم الوقود المتضخم في ليبيا، والذي ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة في الأعوام الثلاثة الماضية، ما أدى إلى عواقب وخيمة داخل ليبيا وخارجها- يقول التقرير.
ويزعم معدو التقرير أن هذا الوضع رسخ سلطة عائلة حفتر في بنغازي، وعائلة الدبيبة في طرابلس، واستفادت منه الوحدات المسلحة الروسية وقوات الدعم السريع السودانية.
وتناولوا كيف أعلن مصرف ليبيا المركزي عن عجز في العملة الصعبة في لعامين بسبب مقايضة ليبيا للنفط الخام بواردات الوقود، وكيف تستحوذ شبكات إجرامية على أكثر من نصف الوقود المستورد.
وأشاروا في تقريرهم كيف “يؤدي برنامج دعم الوقود الضخم في ليبيا إلى تقليل كمية النفط الخام التي يمكن بيعها بالدولار، مما يحرم مصرف ليبيا المركزي من العملة الصعبة التي يحتاجها لتغطية نفقات الغذاء والدواء وغيرها من الواردات الأساسية”.
***
تصنف المنظمة التي أعدت ونشرت التقرير على أنها ذات مصداقية متوسطة إلى عالية وفق تقييمات الباحثين والجهات الأكاديمية، ولها تأثير دولي واسع في ملفات الفساد والتمويل غير المشروع. لكنها ليست جهة قضائية وتقاريرها تحتاج إلى التحقق من جهات رسمية.
هذه المنظمة توصلت إلى إن انخفاض دخل المؤسسة الوطنية للنفط صعب دفع رواتب الموظفين الحكوميين، كما أن تزايد أنشطة التهريب ساهم في انخفاض قيمة الدينار الليبي في السوق السوداء، وزاد من تضخم أسعار المستهلك “مما اضر بالأسر في جميع أنحاء البلاد”.
وقالت إن “مع تزايد هيمنة المسؤولين الفاسدين على برنامج دعم الوقود، يواجه المستهلكون الشرعيون نقصًا في الوقود، ومخاطر انقطاع الكهرباء، وارتفاعًا في أسعار الوقود. ونتيجة لاستيلاء شبكات غير مشروعة على البرنامج، أصبح الوصول إلى الوقود أقل سهولة بالنسبة لأولئك الذين من المفترض أن يخدمهم، مما أدى إلى تفاقم الضغوط الاقتصادية على الأسر الليبية”.
ويلتفت التقرير إلى أن التهريب الذي يحرم المصرف المركزي من عائدات الدولار، -هو أيضا- يقوض نزاهة المؤسسة الوطنية للنفط.
وأوضح كيف أن الأرباح الطائلة لشبكات التهريب مكن لها من تنظيم نفسها بشكل أفضل، وتوسيع نفوذها، مما تسبب في أضرار دائمة للاقتصاد الشرعي وفاقم معاناة المواطنين العاديين.
***
وسلطت المنظمة الأضواء عن كيف “أعاد صدام حفتر، وهو القوة الرئيسية وراء تصاعد تهريب الوقود، تشكيل القطاع ليصبح أكثر تنسيقًا. وقد أدى نفوذه على المؤسسة الوطنية للنفط، وخاصةً منذ عام 2022، بالإضافة إلى فصائله المسلحة التي تزداد تكاملًا وتوسعًا في قدراته البحرية، إلى إضفاء طابع صناعي على أنشطة كانت متفرقة سابقًا. وقد سهّلت السيطرة المسلحة لتحالف حفتر على معظم شرق ليبيا وأجزاء كبيرة من الجنوب تدفقات وقود أكبر إلى وجهات البحر الأبيض المتوسط بحرًا وأفريقيا جنوب الصحراء برًا، مما حفز حتى شبكات التهريب غير المتحالفة سياسيًا في شمال غرب ليبيا على التكيف مع هذا النمو”.
وأوضحت كيف “يقوم المتعاملون غير القانونيين في مدينتي الزاوية ومصراتة الشماليتين الغربيتين الآن بتوجيه واردات الوقود المتزايدة جنوبًا إلى المناطق التي يسيطر عليها حفتر، والتي تُنقل بدورها إلى تشاد والنيجر والسودان. وقد ساعد ظهور صدام حفتر كزعيم رئيسي للقطاع في تسريع إضفاء الطابع الاحترافي على عمليات التهريب على الصعيد الوطني وتعزيز الشبكات غير القانونية حتى في المناطق الخارجة عن سيطرته المباشرة”.
المنظمة أوضحت كيف أن آثار الأزمة لا تقتصر على ليبيا، بل تتأثر بها دول الاتحاد الأوروبي مثل مالطا وإيطاليا، حيث يتسرب الوقود المهرب من ليبيا إلى اقتصاداتها، في الوقت الذي تستفيد روسيا من ذلك، إذ يمكنها الوقود الليبي من القيام بأنشطتها العسكرية في أفريقيا جنوب الصحراء، وتستفيد قوات الدعم السريع التي تتهم بالتورط في جرائم إبادة جماعية في دارفور.
ووجهت اتهامات من وصفتهم بالقادة الليبيين بالموافقة الضمنية على النمو السريع في حجم التهريب بين عامي 2022- 2024، رغم تعهداتهم برفع أو إصلاح دعم الوقود. بل أضافت أن بعضهم استفادوا شخصيا من هذه التجارة غير المشروعة. والتي اثارت آثارا اقتصادية وسياسية واسعة النطاق- تقول المنظمة.
وحتى كتابة هذا الملخص لم ترصد صحيفة الناس أي رد فعل ليبي سواء على الصعيد الرسمي أو ممن وجهت إليه اتهامات صريحة في هذا التقرير.
يشار إلى أن منظمة The Sentry تأسست في 2016م، وتهدف إلى تتبع الشبكات المالية المرتبطة بالصراعات في أفريقيا والشرق الأوسط، وكشف أنشطة غسيل الأموال وتمويل الميليشيات، ودراسة شبكات الفساد الاقتصادية وتأثيرها السياسي والأمني.



