
الناس-
رغم كل ما أثير من ضجة حولها وما استغرقته النيابة من أوقات للتحقيق، وما استهلكته القنوات من ساعات بث، لازالت أزمة غياب الكتاب المدرسي قائمة وقد اقتربنا من منتصف الفصل الدراسي.
هل كان الأمر يستحق كل هذه الضجة؟ وهل الأزمة حقيقية أم مفتعلة؟ لا أحد يجيب.

فهل كان بالإمكان تفاديها؟ الإجابة من صحيفة الناس ستكون نعم. فقد كان بالإمكان الاعتماد على المطابع المحلية، وتجنب الابتزاز الإيطالي والتلاعب الليبي والقيل والقال.
الناس تزور مطابع الكتاب
الأسبوع الماضي زارت صحيفة الناس أكثر من مطبعة محلية، وتابعت عملية الطباعة داخلها، ورصدت كيف أنها سلمت الكتاب المدرسي الذي أسندت طباعته إليها في موعدها وقبل ذلك. ومن خلال الحديث مع أصحاب المطابع سنتبين إذا ما كان بإمكان الوزارة إسناد المهمة للمطابع المحلية كما كان معمولا به في سنوات مضت، وقبل ذلك سنستعرض كيف كانت طباعة الكتاب المدرسي تتم منذ 2005 في ليبيا.
في عشرين عاما
ففي العام 2005 أسندت طباعة الكتاب المدرسي بالكامل للمطابع المحلية لأول مرة، وأوفت بالتزاماتها قبل انطلاقة العام الدراسي، واستمر هذا الأمر حتى العام 2011م، الذي شهد المواجهات المسلحة في ثورة فبراير وتوقفت المطابع، الأمر الذي استدعى الاستعانة بالمطابع الأجنبية، ولم تستعد المطابع المحلية جاهزيتها الكاملة في العام 2012 فأسند لها جزء وظل الجزء الآخر للمطابع الأجنبية.
في العام 2013 ، و2014 أعيدت الطباعة للمطابع المحلية، ولم تحصل مشكلة.
في 2015 ومع تدهور أسعار الدينار أمام العملات الأجنبية، مع ارتفاع أسعار الورق، عجزت بعض المطابع فدخلت المطابع الأجنبية مجددا واستحوذت على جزء من الطباعة لعامين.
الدينار يعادل الدولار!
في 2017 ظلمت المطابع المحلية بشكل فاضح، فعرضت الدولة عرضين للطباعة، عرض للمطابع الأجنبية بالدولار، وعرض للمحلية بالدينار، وبشكل غير منطقي تساوى فيه الدينار لأول مرة مع الدولار!! في حين أن الدولار وقتها كان يعادل عشرة دينار وأكثر.
فشلت المطابع المحلية في المنافسة طبعا، والصحيح أنها أفشلت، ومنذ ذلك الوقت اعتمدت الطباعة في الخارج.. ولم تعد إلا في 2022، ففي ذلك العام فشلت المطابع الأجنبية في الإيفاء بالعمل في موعده، الأمر الذي أدى إلى إيقاف الوزير وحبسه احتياطيا على ذمة القضية.
أصرت الحكومة وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه على إسناد المهمة للمطابع المحلية كما كانت من قبل.. وجزئيا فقد تم الأمر، حيث شاركت المطابع المحلية والاجنبية في الطباعة في العامين 2023، 2024م.
ما الذي حدث في العام 2025؟
ضيفنا الذي سنسند إليه الحديث هو السيد “فهد السريتي” المسؤول الإعلامي بشركة النور الساطع للطباعة والإعلان وإن شاركه بعض مسؤولي المطبعة في المعلومات، فسردوا لنا أنهم في الحديث والتفاوض مع وزارة التعليم منذ فبراير الماضي للشروع في طباعة الكتاب.
يقول “السريتي” إن الأمور تعطلت أكثر من مرة منذ فبراير، بعد تدخل أكثر من جهة، ثم الحكم على الوزير وإيقافه مع مدير إدارة الكتاب بوزارته.
راجعت الرقابة الإدارية الإجراءات وقامت بتعديل الأسعار، بناء على انخفاض أسعار الورق عالميا، وللأمانة لولا تدخل الرقابة ما كنا تحصلنا على عقود، لأننا اشتغلنا سابقا بناء على تكليف من الوزارة فقط.
وسبب تدخل الرقابة –كما يقول- أن الوزارة طبعت في العام 2024 ما يقارب من (48) مليون كتاب، في حين أن الاحتياج كان في حدود (41) مليون كتاب.
لم يكن خطأ المطابع بالتأكيد، لكن في الواقع فقد دفعنا الثمن، فبعد أن أنجزنا الطباعة قاموا بتخفيض مستحقاتنا إلى (60%) من قيمتها، وحتى هذه لم يوف إلينا إلا (80%) منها، والحقيقة أن القيمة انخفضت إلى (48%)، وهكذا خسرت المطابع ولم تغط تكاليف الطباعة حتى.
نقطة بداية
نعود للعام الدراسي الحالي، ونقف على دقائق الأمور، فالتعاقد مع المطابع لم يوقع إلا في نهاية أغسطس 2025، مع شرط أن العقد لا يصبح ساريا إلا بعد فتح مركز المناهج التعليمية الاعتماد المستندي لها.
بعد فتح الاعتماد المستندي سيكون على المطابع تسليم الكتب في ظرف 45 يوما كحد أقصى.
كان الكتاب سيتأخر..
أول اعتماد مستندي فتح لأول شركة متعاقد معها كان يوم (09 سبتمبر)، وكان عليها تسليم الكتاب قبل 24 أكتوبر..
أما عن شركتنا –والكلام للسريتي- فقد فتح لها الاعتماد المستندي يوم 22 سبتمبر، وسيكون آخر موعد لتسليم الكتاب يوم (07 نوفمبر)! (تعليق لصحيفة الناس: أي بعد انطلاق الدراسة بستة أسابيع).
ورغم ذلك شركتنا شرعت في توريد الكتاب من بداية أكتوبر وسلمتها قبل الموعد المحدد. وقد أسند إليها مؤخرا طباعة الكتاب لقطاع التعليم الفني والتقني وصار جاهزا هو الآخر.
من إيطاليا إلى تركيا
بعض الشركات أخذت الإذن بالطباعة في الخارج، وتحديدا في إيطاليا، وأخذت الإذن في ذلك من مركز المناهج، ونظرا لتأخر الاعتمادات، وقعت بعض الشركات في مأزق، لأن ليس لديها تغطية مالية، في الوقت الذي أصر فيه وكيل الشركة الإيطالية على تغطية واحدة للجميع. (هل كان ابتزازا؟).
وإزاء هذا التعنت الإيطالي غير المبرر فإن بعض الشركات طلبت تغيير الساحة من إيطاليا إلى تركيا، ومنح لها الإذن في 04 أكتوبر، فبناء على محضر اجتماع مع الوزارة انتقلت هذه الشركات الثلاث إلى تركيا، وتمكنت من تدارك الموقف ووردت الكتب قبل موعدها النهائي.
المشكلة التي أثيرت عبر الإعلام كانت تخص ثمان شركات لم تغير الساحة، ولم يسمح الوكيل الإيطالي بتسليم الكتب إلا وفق شروطه، وما حدث بعد ذلك معروف حيث قامت الوزارة بتكليف مباشر لإنقاذ الموقف. وتحمل المسؤولية.
شروط روتوليتو
يعتقد ضيفنا أن الأزمة أريد لها أن تكون، بداية من مطبعة روتوليتو الإيطالية التي وضعت شروطا مجحفة بحق بعض المطابع، ثم الزوبعة الإعلامية المفاجئة، رغم أن ما تم توريده من الكتاب كان في حدود (75%)، وأن الضجة لم تزد إلا في تأخير التوريد.
كيف نتفادى أن لا تتكرر المشكلة؟
يقول الضيف: الشركات المحلية موجودة وبإمكانها تغطية طباعة الكمية المطلوبة من الكتاب في غضون (90- 120) يوما كحد أقصى من التعاقد، ولو كانت للوزارة رؤية واضحة، عن المواصفات المطلوبة، وأسندت المهمة للمطابع المحلية، إن ثلاث مطابع فقط بإمكانها إنجاز العمل قبل موعده وبأفضل المواصفات.
كما أننا سنورد الكتب باستمرار، عكس الطباعة في الخارج التي لحسابات التكلفة والشحن ستوردها دفعة واحدة، وهذا قد يؤدي لتأخير.
كما أننا سنخرج من قصة تأخر فتح الاعتماد، ففي هذا العام استغرقنا شهرا كاملا لنقل (cbl) من مصرف اليقين إلى الوحدة، ولو انتظرنا الإجراءات الرتيبة لما أنجزنا العمل في موعده، فقد نفذنا عملنا قبل إتمام إجراءات الاعتماد، وهذا ينطبق على العامين الماضيين اللذين نفذنا فيهما دون أخذ دولار واحد من البنك المركزي. (في حين أن شركات أخرى أنجز لها الاعتماد قبل التعاقد).
فقط رؤية واضحة
ويختتم السريتي: “نحن نشكر مجلس الوزراء على الثقة التي أولاها للمطابع المحلية وأعاد إليها العمل بعد سنوات من الانقطاع، ونؤكد أننا قادرون، لا نريد أي اعتمادات، ولا نريد الدفع مقدما، فقط رؤية واضحة، بأننا سنتولى طباعة الكتاب للسنوات القادمة، وبناء عليه نستطيع استيراد الورق، وتهيئة بيئة العمل وتجهيز أنفسنا، وفق ذلك، سيكون كادرنا بعد أربع سنوات فقد من العمالة المحلية بنسبة 100%”.



