
* كتب/ محمود أبوزنداح asd841984@gmail.com
من أنتم؟… أنا الزعيم!
جملتان فصل بينهما زمن، وجمعت بينهما روح واحدة تبحث عن المجد.
الأولى قالها القذافي في لحظة سقوط، والثانية نطق بها الفنان عادل إمام على خشبة المسرح في ذروة مجده.
بين الكلمتين خيط خفي يربط بين السلطة والفن، بين من حكم وطنًا ومن أضحك أمة، بين الزعامة على الأرض والزعامة فوق الخشبة.
في بداياته، كان القذافي شابًا نحيلًا يتبع رفاقه محمد عبد المطلب والخروبي والوحيشي، يحمل حلمًا نقيًا بتغيير وطنه.
وفي المقابل، كان عادل إمام فتى خجولًا يختبئ خلف ظلّ صديقه سعيد صالح، يطارد حلم التمثيل بخطوات مترددة.
كلاهما انطلق من طموح بسيط، وكلاهما سار في طريقٍ واحدٍ نحو الضوء… لكن الضوء حين يسطع أكثر مما يجب، يعمي الأبصار.
كبر الحلمان وتحوّلا إلى هوس بالمجد؛ فالقذافي رأى في نفسه قائدًا وملك ملوك إفريقيا، يوزع الهبات ويتحدث بلغة الثورة والخلود، حتى وصل إلى عبارته الشهيرة “من أنتم؟” التي اختزلت مسيرة سلطةٍ التهمت صاحبها.
أما عادل إمام، فاعتلى خشبة المسرح ليقول أمام الجماهير: “أنا الزعيم”، في مفارقةٍ فنية تحمل في طياتها سخرية القدر، حين يلتقي الواقع بالمسرح في مشهد واحد.
لقد كان الرابط بين الزعيمين هو الشخصية؛ تلك التي لا تكتفي بالنجاح، بل تبحث عن التأثير، عن الزعامة الرمزية التي تمنح الإنسان شعورًا بالخلود ولو للحظة.
غير أن الخلود لا يُمنح لأحد، فالعبرة دائمًا بالخواتيم.
القذافي رحل وترك وراءه خطاباته وصوره، وعادل إمام ابتعد بصمت عن الأضواء، لكن كليهما بقي في ذاكرة الشعوب.
الفارق بين الزعيمين لم يكن في المكانة، بل في النهاية.
الأول سقط في صخب التاريخ، والثاني انسحب بهدوء من مسرح الحياة.
ومع ذلك، بقي الاثنان شاهدين على فلسفة عميقة تقول:
إن الزعامة ليست في السلطة ولا في الشهرة، بل في الأثر الذي يتركه الإنسان بعد رحيله.
ولعل في التجربتين انعكاسًا للفكر العربي في علاقته بالبطولة، حيث تتقاطع السياسة بالفن، والجد بالهزل، والواقع بالخيال.
فحتى في دولٍ غربية، قد يتحول ممثل كوميدي إلى رئيس، كما حدث في أوكرانيا، غير أن الفرق يبقى في النظام والفكر لا في الأسماء.
تبقى ليبيا أرضًا ذات عمق حضاري ضارب في التاريخ، من جذور الفلسفة الإغريقية إلى برلمانها الأول في العصور القديمة، وتبقى مصر بأضوائها وإعلامها ذاكرة الفن العربي.
ورغم هذا البريق كله، يظل الدرس الأخير ثابتًا:
لا مجد يبقى، ولا لقب يدوم…
فكل زعيمٍ إلى قبر، وكل مسرحٍ له يومٌ يُسدل فيه الستار.



