
العربي الجديد-
أفاد الخبير الاقتصادي “عطية الفيتوري” بأن شهادات الإيداع الجديدة التي ستطلقها السلطات النقدية، “ليست تجربة جديدة على ليبيا”، مذكّراً بأنها طُبقت أول مرة عام 2008 واستمرت حتى 2013، حين بلغت قيمتها نحو 44 مليار دينار قبل أن تتوقف بسبب إقرار قانون تحريم الفوائد.
وأضاف لـ”العربي الجديد” أن الآلية الحالية تعود “بصيغة جديدة قائمة على المضاربة الإسلامية”، معتبرا أنها “خطوة جيدة لتطوير القطاع المالي”، بخاصة أنها تمنح عوائد مرتفعة تشجع على سحب جزء من السيولة المتداولة، ما يقلل التضخم ويعزز قوة الدينار الليبي.
وأشار الفيتوري إلى أن هذه الأداة قد تسهم أيضاً في “خفض الرسم المفروض على مبيعات النقد الأجنبي”، وهو الإجراء الذي اعتمد لسنوات لسد الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء، موضحاً أن نجاحها قد يمنح مصرف ليبيا المركزي مساحة أوسع للتحكم في السياسة النقدية.
غير أن خبراء آخرين حذروا من الإفراط في الرهان على هذه الخطوة. وقال الخبير المالي عبد الحكيم عامر غيث إن شهادات الإيداع “قد تكون خطوة إيجابية على المدى القصير”، لكنها لا تعالج “جذور الأزمة المتمثلة في الانقسام السياسي وغياب موازنة موحدة وعدم وجود سياسة اقتصادية متفق عليها”. وأضاف أن جذب السيولة “لن يكون كافياً إذا استمرت الإغلاقات النفطية وتذبذبت الإيرادات”، مؤكداً أن “الاستقرار النقدي يحتاج إلى توافق سياسي وإصلاحات اقتصادية أوسع، وليس فقط إجراءات مالية من المصرف المركزي.
وكان مصرف ليبيا المركزي قد أعلن، الخميس (25 سبتمبر 2025م)، عن عزمه طرح شهادات إيداع جديدة بقيمة 15 مليار دينار ليبي (سعر الصرف 5.5 دنانير للدولار) خلال الفترة من أكتوبر حتى نهاية ديسمبر المقبل، في إطار خطته الاستراتيجية لتطوير القطاع المصرفي وتفعيل أدوات السياسة النقدية.
وأوضح، في بيان، أن شهادات الإيداع ستُطرح بآجال استحقاق 91 و182 و365 يوما، مع هامش ربح سنوي متوقع يبلغ 7.5% للمصارف و6.5% للعملاء أصحاب حسابات الاستثمار. وحدد المصرف الحد الأدنى للاكتتاب بعشرة آلاف دينار ليبي، على أن توقع المصارف عقود اكتتاب مع إدارة الحسابات في المصرف المركزي توضح نسب توزيع الأرباح والضوابط المنظمة للعلاقة بين الأطراف.
كما أكد المصرف أنّ هذه الخطوة تهدف إلى “تنويع مصادر الدخل بالقطاع المصرفي وتعزيز دوره الرقابي والإشرافي” إضافة إلى حماية القوة الشرائية للدينار عبر امتصاص السيولة الفائضة وتوظيفها في قنوات استثمارية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ويأتي هذا التوجه في وقت يواجه فيه الاقتصاد الليبي ضغوطا متزايدة، بسبب تراجع إيرادات النفط واستمرار الانقسام السياسي، الذي يعيق إقرار موازنة موحدة للدولة، بالإضافة إلى عرض النقود خارج القطاع المصرفي الذي يوازي نحو عشرة أضعاف معدله الطبيعي.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي محمد أحمد أن “السؤال الأهم في الحالة الليبية هو ما إذا كانت صيغة المضاربة المطلقة ستقنع البنوك التجارية والمستثمرين باعتبارها أداة آمنة لإدارة السيولة، في ظل بيئة سياسية واقتصادية غير مستقرة”. وأضاف أن نجاح التجربة يحتاج إلى “ثقة عالية وشفافية في قواعد توزيع الأرباح والخسائر، إضافة إلى نظام رقابي فعال”، معتبرا أن هذه الخطوة “محاولة للتجديد تعكس بحث المصرف المركزي عن حلول تتناسب مع الواقع الليبي”، لكنها ستظل رهناً بقدرة المركزي على الإقناع ومدى تفاعل البنوك مع الأداة الجديدة.
إلى ذلك، قفز عرض النقود خارج القطاع المصرفي في ليبيا إلى 54.3 مليار دينار (حوالي 9.87 مليارات دولار بسعر الصرف الرسمي 5.5 دنانير للدولار) خلال النصف الأول من العام، مقابل 52 مليار دينار في بداية الربع الأول، وفق بيانات أصدرها مصرف ليبيا المركزي لعام 2024.
يذكر أنّه منذ مطلع عام 2022، توجد في ليبيا حكومتان: إحداهما برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة ومقرها العاصمة طرابلس، وهي حكومة الدبيبة التي ترفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.