
* كتب/ د. محمود ابوزنداح Asd841984@gmail.com
في واحدة من أكثر اللحظات انكشافًا لوجه الغطرسة، خرج مندوب الكيان في مجلس الأمن ليصرّح أن استهداف مقر الوسيط القريب من دولة حليفة ما هو إلا بداية، وأن الغد قد يشهد ضرب دول أخرى بحجة “محاربة الإرهاب”، بل ذهب أبعد من ذلك حين لمح إلى إمكانية اللجوء إلى السلاح النووي ضد شعوب كاملة، فقط لأنها متمسكة بكتابها الكريم.
هذا الخطاب ليس مجرد تصريح عابر، بل هو انعكاس لفكر استعلائي متجذر في عقلية اليمين المتطرف العنجهي، الذي اعتاد أن يحول الضحية إلى متهم، ويمنح لنفسه حق الإبادة باسم الدفاع عن “الحضارة” و”الأمن”. إنها الوصفة ذاتها التي استُخدمت عبر التاريخ لتبرير الاستعمار، والتهجير، والمذابح الجماعية.
وليس غريبًا أن نجد بعض الدول في منطقتنا قد فتحت أبوابها لهذا المشروع، ووفرت له الغطاء السياسي والعسكري. فدولة قطر –على سبيل المثال– كانت ولا تزال درعًا حاميًا للقوات الأمريكية–الصهيونية أمام هجمات إيران، مقدمة نفسها بكل اندفاع إلى الغول الأمريكي الصهيوني، حتى تجاوزت حدود الدفاع عن مصالحها الوطنية إلى الانخراط في مشروع يستهدف الأمة بأسرها.
التاريخ شاهد أن هؤلاء لا يترددون في إراقة الدماء ومسح الشعوب من الوجود، بحجة أنها “عديمة الفاعلية” أو “لا خير فيها”. واليوم نشاهد –بكل مرارة– الأطفال يُقتلون بدم بارد أمام كاميرات العالم، دون أي شعور بالذنب من الجاني، ودون أي تحرك فعلي من المجتمع الدولي.
إن أخطر ما يجري الآن هو مرحلة “شيطنة الشعوب”؛ تلك الخطوة التي تسبق دائمًا الإبادة. فحين تُصوَّر الشعوب على أنها تهديد وجودي، يصبح قتلها عملًا “مبررًا”، وتتحول جرائم الحرب إلى إجراءات “دفاعية”.
المعادلة واضحة: خطاب تحريضي من مجلس الأمن، غطاء سياسي من بعض العواصم، صمت دولي مدوٍ، ودماء عربية تُسفك بلا حساب.
السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سنبقى متفرجين على هذا المشهد الكارثي؟ ومتى تتحول الغضبة الشعبية العربية إلى فعل سياسي حقيقي يوقف عجلة الغطرسة قبل أن تدوس على ما تبقى من كرامة وإنسانية؟