اخبارالرئيسيةعيون

سأقفز في البحر ولن أعود… صرخة ناجٍ من الموت بين دارفور وليبيا وسفينة الإنقاذ

مهاجر نيوز-

في قلب البحر المتوسط، حيث تتلاطم الأمواج مع صرخات الاستغاثة، كانت سفينة “أوشن فايكينغ” ا تمخر عباب البحر، حاملة آخر خيوط الأمل لمهاجرين أفارقة فرّوا من الجحيم بحثًا عن حياة أفضل. لكن خفر السواحل الليبية باغتت السفينة بهجوم، رغم أن رسالتها الوحيدة كانت إنقاذ الأرواح من براثن الموت. مهاجر سوداني كان على متن السفينة يروي لمهاجر نيوز تفاصيل ما حدث.

أفادت منظمة “إس أو إس ميديتيرانيه” غير الحكومية، يوم الاثنين (25 أغسطس)، أن سفينة الإنقاذ التابعة لها تعرضت لإطلاق نار من قبل خفر السواحل الليبي، أثناء تنفيذها مهمة إنسانية للبحث عن قارب مهاجرين في وضع خطر قبالة السواحل الليبية في البحر الأبيض المتوسط.

وأوضحت المنظمة أن الطاقم لم يتعرض لأي إصابات، لكنه اضطر إلى مغادرة المنطقة حفاظًا على سلامته، مؤكدة أن الحادث وقع خلال عملية تهدف إلى إنقاذ أرواح مهاجرين كانوا في حالة طوارئ بحرية.

محمد (اسم مستعار)، شاب سوداني يبلغ من العمر 24 عامًا، دفعته الحرب إلى مغادرة نيالا بعد سقوطها في يد قوات الدعم السريع . نجا من الموت للمرة الأولى حين فرّ من مدينته المشتعلة، لكنه وجد نفسه يواجه الموت مرة أخرى في عرض البحر، بعد أن استهدف خفر السواحل الليبي قارب الإنقاذ الذي كان على متنه.

ويروي محمد، الشاب السوداني، لمهاجر نيوز من مدينة أوغوستا الإيطالية: “عندما بدأ إطلاق النار، شعرت برعب لم أعرفه من قبل. استلقيت على الأرض مثل الجميع، لكن لم يكن خوفي من الرصاص أو الموت… كان خوفي الأكبر أن يعيدونا إلى ليبيا، و أن يرمونا مرة أخرى في السجون. ما زال أصدقائي هناك، بعضهم محتجز منذ ثمانية أشهر، وآخرون منذ عام كامل.” يقول محمد.

محمد يسترجع لحظات الرعب ويقول: “إن العذاب في السجون لا يوصف… وجبة واحدة في اليوم، وزجاجة ماء واحدة يشرب منها أكثر من شخص. كنت أفكر في تلك اللحظة: لو أعادونا إلى ليبيا، لو رمتنا السفينة الليبية في الجحيم مرة أخرى، سأقفز في البحر ولن أعود معهم أبدًا”.

ثم يتابع بصوت يختلط فيه الخوف باليأس: “وهذا لم يكن شعوري وحدي، بل رأي كل الشباب معي: لو حاولوا إعادتنا إلى ليبيا، سنقفز في البحر ونموت، فالموت أهون من العودة إلى العذاب.

رصاص في عرض البحر

السفينة كانت تحمل 87 مهاجرًا تم إنقاذهم، معظمهم من السودان، بينهم 21 قاصرًا غير مصحوبين بذويهم. استمر الهجوم 20 دقيقة، وألحق أضرارًا جسيمة بالسفينة، بما في ذلك تحطيم نوافذ غرفة القيادة وتدمير هوائيات الاتصال وثلاثة قوارب إنقاذ.

ويتابع محمد وهو يصف لحظة الهجوم: “بعد إنقاذنا على متن سفينة، لم تمر ساعة حتى وصل خفر السواحل الليبي وبدأ بإطلاق الذخيرة على القارب. لم يُصب أحد، لكن الرعب كان كبيرًا. كان هناك قارب آخر خلفنا، والسفينة كانت تريد إنقاذه، لكن بعد الهجوم اضطررنا للإبحار بسرعة نحو أقرب ميناء.”

تحرك محمد في قارب بلاستيكي مكتظ، يضم أربعين شابًا من جنسيات مختلفة، جميعهم يحملون حلم النجاة. قبل هذه الرحلة، عاش محمد فترة قصيرة في ليبيا بعد أن فرّ من دارفور إثر تدهور الأوضاع الأمنية هناك، حيث أصبح البقاء مستحيلًا على حد قوله.

“الوضع لا يُطاق… قد يُطلق عليك الرصاص لمجرد حملك كيس طعام أو هاتف. لا توجد فرص عمل، وإن وُجدت، يُصادرون أجرك. صديقي أُطلق عليه النار لأنه كان يحمل طعامًا لأسرته، وأُصيب في ساقه. “حسب قول محمد.

طريق النجاة محفوف بالموت

وأوضح محمد وهو يتحدث عن معاناته في ليبيا قبل الرحلة: “كنت أنام وأنا خائف من المداهمات، فجأة تجد القوات الحكومية فوق رأسك. العمل هناك كله مداهمات.

وأضاف أنا لم أكن أفكر في السفر، جئت من السودان لأجل الأمان والعمل، لكن ما حصل كان عكس ذلك. إما تدخل السجن أو تدفع. إذا قبضوا عليك، يطلبون كفالة مئة دينار ليطلقوك. في النهاية، أنا عملت، وبمساعدة الأصدقاء تمكنت من تدبير المبلغ. الرحلة كانت بخمسة آلاف دينار، لكنني شرحت لهم ظروفي، فدفعت 4500 دينار ليبي.”

وتابع محمد وهو يصف بداية رحلته من دارفور: “رحلتي كانت مليئة بالمخاطر. الطريق كله تحت سيطرة قوات الدعم السريع، يوقفونك ويسألونك عن وجهتك، وإذا شكّوا فيك ينزلوك من السيارة. أسوأ شيء هو أن يظنوا أنك تتبع الطرف الآخر الجيش السوداني. أذا لم تملك جواز أو أوراق تثبت هويتك، حياتك في خطر. لو كنت طالب، يمكن تكون في أمان، لكن غير ذلك… الموت أقرب لك من الحياة.”

ويواصل محمد حديثه عن رحلته الشاقة: “بعد وصولنا إلى مدينة أبشي، استقللنا العربات المتجهة نحو المنجم. وفي الطريق تعطلت بنا إحدى العربات، وبقينا عالقين وسط الصحراء ثلاثة أيام كاملة، حتى كاد الماء أن ينفد. لولا صادفنا الحظ ومرت بعض العربات بالقرب منا و ساعدتنا في إصلاح السيارة، لكنا هلكنا هناك. وبعدها واصلنا المسير حتى وصلنا إلى المنجم ومنه ركبناه العربات التندرا المتجهة الي ليبيا .

ورغم النجاة من رصاص خفر السواحل الليبي، تبقى قصه محمد واحدة من بين آلاف القصص لمعاناة شباب أفارقة. كثيرون منهم يعيشون يوميًا معاناة مؤلمة بحثا عن حياة كريمة وآمنة عبر رحلات محفوفة بالمخاطر.

تم إنقاذ أكثر من 175,000 مهاجر في البحر المتوسط خلال العقد الأخير، من بينهم أكثر من 42,000 شخص أنقذتهم منظمة “إس أو إس ميديتيرانيه” وحدها منذ انطلاقها عام 2015.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى