الرئيسيةثقافة

ملزومة عمّي سلامة

*كتب/ عبدالوهاب الحداد،

في إحدى الأمسيات التي جمعتني بالشاعر الشعبي الفذ سلامة أبورويلة، خطر لي أن أسأله سؤالا ظل يراودني طويلا: متى وكيف تقول الشعر؟

كان سؤالي نابعًا من حيرة حقيقية؛ فعمّي سلامة لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وهو مع ذلك ينظم قصائد مذهلة، ويحفظها عن ظهر قلب، وكأنه يحمل ديوانًا كاملا في صدره. لم يكن يمسك قلمًا ليسوّد به الورق، ثم يشطب ويصحّح كما نفعل نحن عند كتابتنا لمجرد سطرين، بل كان الشعر يتفجّر من فيه مندفعًا كواد هادر. وكنت أريد أن أعرف من خلاله متى وكيف كان أجدادنا –الأميون– يقبضون على لحظة الشعر، وهم لا يملكون غير الذاكرة حبرًا، واللسان ورقة.

ابتسم العم سلامة وهو يسترجع ما يشبه الاعتراف، ثم حكى لي قصة عاشها يوم مرّ بموقف هزّ كيانه، ظل بعده أيامًا يعيش مهمومًا، عاجزًا عن نظم “الملزومة” أو “الطالع” الذي يعبّر به عمّا اعتمل في صدره. وهذا أمر غريب على رجل اعتاد أن يزين أحاديثه بالشعر في كل مناسبة وغرض.

إلى أن جاءت اللحظة التي أمسك فيها “الملزومة”. وما إن نطق بها حتى غلبه البكاء؛ بكاء طويل “لين طيبت خاطري” على حد وصفه. ثم تابع قائلاً:

“كنت كالمهندس الذي يقف وسط ورشة تعج بالعمال، عشرات الأيدي تعمل بلا كلل، تضع اللبنات، ترفع الجدران، تصوغ الشكل النهائي. وأنا، مثل ذاك المهندس، لا أفعل سوى الإشراف، أوجّه هذا وأعدّل ذاك. أما الجهد الحقيقي فقد بُذل يوم وجدت الملزومة”.

-المشرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى