النخيل في ليبيا… قصة عراقة تعود إلى آلاف السنين.

* كتب/ محمد المهدي زعبية،
تُعدّ شجرة النخيل رمزًا للحياة في الصحراء الليبية، فقد ارتبطت بالإنسان منذ أقدم العصور وكانت مصدرًا للغذاء والتجارة والاستقرار. وتشير الدراسات الأثرية والتاريخية إلى أنّ زراعة النخيل في ليبيا ترجع إلى ما قبل الميلاد بقرون طويلة، حيث لعبت الواحات دورًا حاسمًا في نشوء حضارات محليّة ازدهرت وسط الصحراء القاسية.
الجرمنتيون… عباقرة الزراعة في الصحراء
في قلب فزّان، ازدهرت حضارة الجرمنتيين منذ نحو خمسة قرون قبل الميلاد وحتى القرن السابع الميلادي. ترك هؤلاء السكان إرثًا هندسيًا مدهشًا ما زال أثره باقٍ حتى اليوم، يتمثل في شبكة من القنوات الجوفية المعروفة محليًا بـ الفغّارات. هذه الأنفاق كانت تنقل المياه الجوفية من أعماق الأرض إلى سطح الواحات، ما أتاح قيام بساتين واسعة من النخيل والحبوب والكروم.
لقد شكّل التمر الغذاء الأساسي لسكان فزّان، كما استخدم في تجارة القوافل التي كانت تعبر الصحراء نحو الشمال والجنوب.
الواحات محطات على طرق القوافل
مع اتساع النفوذ القرطاجي ثم الروماني، أصبحت واحات مثل غدامس وأوجلة وجالو محطات لا غنى عنها على طرق القوافل. كانت هذه الواحات تزود القوافل بالمؤن والماء والتمر، وتربط شمال أفريقيا بأعماق الصحراء الكبرى. وقد سجّل المؤرخون الرومان واليونان أهمية هذه الواحات ودورها في دعم الجيوش والتجارة.
من العصور القديمة إلى الفتح الإسلامي
خلال الحقبة البيزنطية وحتى الفتح الإسلامي، ظلّت زراعة النخيل ركيزة للحياة في الواحات الليبية. فقد مثّلت أشجار النخيل مظلة طبيعية تحمي المحاصيل البينية من حرارة الشمس، ووفّرت التمور مصدرًا ثابتًا للغذاء وسلعة قابلة للتخزين والنقل. ومع دخول الإسلام إلى ليبيا في القرن السابع الميلادي، كان النظام الزراعي الواحي قد بلغ درجة عالية من النضج بفضل مزيجٍ من الخبرة البشرية والموارد الطبيعية.
إرث ممتد عبر القرون
إنّ تاريخ النخيل في ليبيا ليس مجرد قصة زراعية، بل هو شاهد على قدرة الإنسان على التكيّف مع بيئة قاسية وصناعة حضارة مزدهرة في قلب الصحراء. وما زالت بساتين النخيل الممتدة في فزّان والجفرة وأوجلة وجالو حتى اليوم تحمل ذاكرة تلك العصور القديمة، وتؤكد أنّ التمور كانت ولا تزال عنوان العطاء في الواحات الليبية.