
*كتب/ عبدالوهاب الحداد،
هنا لا أقدّم شهادة في أنور التير، الفنان والإنسان، فهو لا يحتاجها مني أولاً، ثمّ هي شهادة –كما يُقال– مجروحة، بل ومكسورة لمن يعرف أسرارنا.
ما أكتبه ليس سوى محاولة للتأريخ، لتظلّ هذه الكلمات محفورة على صفحة من صفحات الذاكرة، تحفظ للرجل حقّه، وتروي لأجيال قادمة كيف أن “فنانا يحي مسرحا”.
فإن كان المسرح في مدينة مصراتة يعود إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وله آباء مؤسسون أعلام، إلا أنّه في العقدين الأخيرين شهد تراجعًا كبيرًا، وصل في بعض السنوات إلى الموت السريري، حين كان يمرّ العام والعامان دون أن نشهد عرضًا مسرحيًا واحدًا لفرقة مصراتية، ناهيك عن عدم امتلاك أيّ فرقة مسرحية لمقرّ لائق بها، وافتقار المدينة لأيّ مبنى به ركح مخصّص للعروض المسرحية، حين كان المسرحيون يستجدون مكانًا يجرون فيه تدريباتهم، والحديث عن تلك السنين العجاف يعرفها أهل المسرح المصراتي جيدًا.
أمّا اليوم، ومنذ نحو سنتين، أُعيد إحياء المسرح المصراتي، لوجستيًا على الأقل، وأصبح يمتلك مقرًا لائقًا ومستقلًا، يحوي ركحًا مسرحيًا مجهزًا بمعدّات الإضاءة والصوت، بل وشاشة سينما، وقاعات تدريب، وغرف ملابس ومكياج، واستوديو صوت متكامل، وقاعة بكراسٍ لائقة من دورين.. كان وراء كل ذلك ثُلّة من العاشقين للثقافة والفنّ، يقودهم التير.
اليوم أصبح المسرح الوطني مصراتة مزارًا، ومَعْلَما دالّا، فلا يكاد يمضي شهر واحد إلا ويشهد حدثًا ثقافيًا أو فنيًا، إن لم يكن التير صانعه، فهو المستضيف والراعي.
آخر ما كان للتير أنّه سجّل باسمه أوّل عرض في تاريخ مصراتة لمسرح الدُّمى، إلى جانب تكوينه فريقًا من الشباب يحركون العرائس ويصنعونها.. هذه النقلة النوعية الكبرى في الساحة الفنية والثقافية المصراتية لا بدّ أن نسجّلها لصاحبها وقائدها، أنور التير. بالطبع ليس لوحده، بل مع فرق من الكتّاب والفنّانين والمبدعين، مخضرمين وشباب، كان التير المحفّز وحامل المشعل دائمًا، ليعيد إحياء المسرح المصراتي، مردّدًا قولته الشهيرة: “قسمًا بالله، الحمد لله”.
وبعد أن أحيا الفنان المسرح، هل يحيي المسرح فنانًا!