
* كتب/ وليد عمران محمد،
لا يكاد يمر علينا يوم دون أن نسمع أو نقرأ بعض الأنباء التي يثبت مع الوقت عدم صحتها، ورغم ذلك فإن ذات الألية والطريقة اللتان تتدفق منهم تلك المعلومات لا يزال من يؤمن بها ويصدقها، وبعد حين يكتشف أنها إشاعة.
والإشاعة هي الأقوال المكذوبة أو خبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة غير الموثوق فيها وغير المؤكدة، أو أخبار لا أساس لها من الصحة يتناقلها الناس دون التثبت من صحتها، وتنتشر في المجتمع بشكل سريع، ويتداولها العامة ظناً منهم بصحتها، إذ يتعذر التحقق من أصلها، وفي الغالب تتعلق هذه الأخبار بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة إليهم، ويؤدي تصديقها أو نشرهم لها إلى إضعاف روحهم المعنوية.
تصديق الإشاعات ونشرها علامة من علامات ضعف الثقافة والوعي، لما تحتوي في مضمونها من معاني الموبقات، والإشاعة هي اللغة التي يجيدها أشخاص رفضوا الواقع عندما لم تتوافق الأقدار والواقع مع طموحهم، فكان التصور السلبي للأحداث وتزييف الوقائع بنشر إشاعات لاتمت للواقع بصلة هي الطريقة الأمثل في تصورهم، لتحقيق أهداف ترضي ما بداخلهم، بيد أنّ البعض قد يصدق هذه الشائعات حتى وإن لم تكن منطقية، لأن بعض هذه الشائعات قد تشبع عاطفته أو شيئاً من رغباته، أو تحقق حلما طال ما تمناه، وغالباً ما تفتقد الشائعات إلى المصدر الموثوق المدلل على صحة الأخبار، وتعتبر الشائعات أحد الأسلحة الفتاكة في هذا القرن، وهي قديمة قدم البشر، فقد عرفت مُنذ تاريخ النفس البشرية، وقد طالت الرُسل والأنبياء، فقدوتنا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم اتهم بالسحر والكذب والجنون، فضلاً عن حادثة الإفك، التي صنفت أنها أم الشائعات.
تطورت الشائعات وأصبحت جزءًا أصيلاً من الأسلحة، فإطلاق الشائعات والأكاذيب من الأسلحة الحديثة المستخدمة في الحروب على الشعوب، وزعزعة استقرارها، ففي بعض المجتمعات تتحول الشائعات بعد وقت قصير من إطلاقها أو بثها إلى حقائق غير قابلة للنفي أو الجدال، وتحتاج جهداً كبيراً لتحتويها إذا لم يتم الرد عليها أو نفيها بسرعة.
تُؤثر الشائعات على أفراد المجتمع بشكل كبير، وقد سهل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي انتشار هذه الشائعات، فالمواقع الإلكترونية على شبكة الانترنت التي تتيح للأفراد الاتصال المباشر والدائم مع بعضهم البعض ونقل الأفكار والمعلومات والاتصال الودي فيما بينهم، ولكن على الرغم من أهميتها تعد سلاحاً ذا حدين، فمثلما تتعدد فوائدها في نقل الأفكار السياسية بشكل كبير وهام، وتقريب بين وجهات النظر ونشر التوعية، وتعطي براحاً لتعبير الإنسان عما يجول في خاطره، إلا أنها من الممكن أن تستخدم خطأ في نشر الشائعاتن فقد كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور كبير لترويج وتناقل الشائعات بين أفراد المجتمع، مما تسبب في آثار سلبية كبيرة علي أفراد المجتمع، طعناً وقذفاً وتشويها لسمعة الآخرين، فتتزعزع الثقة بينهم، إلى جانب نشر الفتن.
وتستخدم الإشاعات لتقييد الثقة في المؤسسات والأفراد، وتزيد من حالة الانقسام والتشكيك، وقد تستخدم الشائعات للتحريض على الكراهية والعنف، وتفكيك النسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى تضليل الرأي العام، لمنع الأفراد من الوصول إلى المعلومات الصحيحة.
جاء الأمر في القرآن الكريم بالتثبت من الأخبار قال الله تعال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”.. هنا يحذرنا المولى عز وجل من أن نتبع الإشاعات بدون التحقق من صدقيتها، حتى لا نقع في ذنب أو مشكلة، ونندم فيما بعد على ما اقترفناه من ذنب.
وأمر النبي ﷺ من يتكلم ويشهد على شيء أن يكون كلامه وشهادته كرؤيته للشمس، ونهي في الحديث الصحيح عن القيل والقال بدون تدبر ولا تثبت، فالمطلوب من المجتمع الحرص على عدم الانقياد و الانجرار وراء الكلمات والأكاذيب، والأراجيف من الأقوال التي يستخدمها ويطلقها ضعاف النفوس، لضرب المجتمع وتنفيذ مخططاتهم الخبيثة، وأن يتسموا باليقظة والتبين والحذر، وكشف زيف الإشاعات والدعاية المضادة ضدها، وبيان الكذب والتناقض فيها، لإسقاط فاعليتها وتوجيه رد الفعل ضد مروجيها، فالمسلم محب لأمته ومجتمعه، فاحذر من أن تكون بوقا لنشر الكذب والشائعات، واعلم أن حفظ الأمن والمجتمع وسلامته من الإيمان.