
* كتب/ خالد الجربوعي،
منذ أكثر من سبعين عاما، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبدء ما عرف بمرحلة استقلال وتحرر الشعوب من نير الاستعمار، كانت الدول العربية من بين تلك الدول التي بدأت فيها مرحلة التحرر، سواء عبر نيل الاستقلال من خلال المفاوضات، أو عبر ما أطلق عليها الثورات أو الانقلابات كلا حسب وجهة نظره.
المهم بعد تلك المرحلة دخلت الدول العربية في صراع سياسي فيما بينها، فانقسمت إلى فريقين أساسيين قومي عربي أو تقدمي -كما أطلق عليه أصحابه- ووطني قطري أو رجعي -كما أطلق عليه خصومه أو أعداؤه حينها- والأمر بدأ فعليا وبشكل علني وعملي مع وصول عبد الناصر للحكم، بعد إسقاط النظام الملكي في بلاده، الذي كان سائدا في كل الدول العربية في تلك الفترة، وإعلان النظام الجمهوري.
فكان الفريق الذي تمت تسميته بالرجعية العربية، وهو يضم الدول الملكية والأميرية، والتي بقت على علاقات متميزة سواء مع محتليها السابقين أو مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت في بداية صعودها، لتكون في صدارة المشهد العالمي بعد ذلك.. فيما الفريق الثاني دول أخرى، وهي التي شهدت ما أطلق عليه بالثورات أو الانقلابات العسكرية -ليس مهما التسمية- والتي سمت نفسها بعد ذلك بالجمهوريات، وادعت الديمقراطية والحرية، ورفعت شعارات لا حد لها، وغيرها من كلام لم يكن إلا مجرد أوهام لا مكان لها على أرض الواقع.. لأنها كانت حقيقة أكثر قساوة وأشد حكما من تلك التي اتخذت الملكية نظاما لها، دون خداع أو مواربة أو ادعاء عكس ذلك.. وطبعا هذه الدول سميت بالتقدمية والتقدم منها براء، أو القومية حيث حملت شعار القومية العربية، ووحدة العرب، والنظام الاشتراكي منهجا لها، ولو نظريا، وغير ذلك من شعارات..
بدأ الصراع بين القوتين طبعا مع وجود صراعات أخرى بين أطراف الفريق الواحد ليس مجالها الآن.. وطبعا الدول التقدمية انحازت في تلك المرحلة للمشروع الشيوعي بشكل كبير، لتكون حليفة للاتحاد السوفيتي في تلك المرحلة للحصول على دعمه السياسي، والعسكري خاصة في مجال توفير السلاح وغيره من دعم.. و استمر الصراع بين هذين الفريقين لفترة طويلة من الزمن.. طبعا دون أن ننسى أن الفريق التقدمي دخل في عدة حروب، سواء فيما بين دوله بعضها البعض، أو مع دول أخرى خارجية جلنا يعرفها، فيما الفريق الذي حمل اسم الرجعية العربية اتخذ من الدهاء والتحالف مع دول الغرب من أجل الحماية والدعم بكل أنواعه طريقا له، وعمل على بناء دوله في صمت، وترقب لفترة من الزمن، مقارنة بالفريق الآخر الذي انشغل قادته بدعم الدول والمنظمات الأخرى، حقا وباطلا، في كل أصقاع الأرض، على حساب دولهم وشعوبهم، واستمر الصراع، وكل فريق يحاول أن يثبت أنه الأقوى، وأنه على الحق.
وطبعا كان الطريق طويلا، والموضوع يطول الكلام عنه، ولكن وباختصار فإن النتيجة التي وصل إليها الحال اليوم وما نعيشه على أرض الواقع يقدم لنا حقيقة قد يرفضها البعض، ويحاول تبريرها البعض الآخر، وهي أن المعركة والصراع حسم بانتصار الفريق الرجعي، الذي حافظ على وجوده وتماسكه، بينما دب الانهيار في الفريق القومي واحدا بعد الآخر، حتى وصل به الأمر اليوم إلى دول مفككة يتقاتل أهلها بين بعضهم البعض، وهي معرضة للانقسام، وأصبحت لعبة بيد الدول الأخرى، حتى إن البحث عن حلول لمشاكلها اليوم يكون في أصغر دول الفريق الآخر.
طبعا الأمر له الكثير من الأسباب والمراحل التي مر بها حتى وصل إلى هذه النهاية الحالية..