
الناس-
يواجه عبدالجليل المشكلة التي يواجهها مرضى ضمور العضلات في ليبيا، هذه المعاناة وضعته مرة على حافة اتخاذ قرار بطلب “لجوء إنساني” بعد أن أخلت الجهة المعنية بتوفير العلاج له عندما كان في الخارج.
عبدالجليل السعداوي، الرجل القانوني، والمرشح السابق للانتخابات البلدية عن فئة المعاقين، سافر طلبا للعلاج بعد صدور قرار له، لكن فوجئ بأن نفقات إقامته وعلاجه لم تغطى من جهة الإيفاد. واضطر لتغطية نفقات إقامته غالبا على حسابه، والمثير الغريب في قصته أن بعض الجهات تدخلت في تأخير موعد العملية له- وفق روايته. يقول:
في آخر سفر دخلت للعيادة وأجريت الكشف، وتحدد موعد العملية المدفوع ثمنها من قبل الدولة، ولكن بقدرة قادر تأجلت العملية قبل موعد دخولي للمستشفى بيوم واحد، واستمر التأجيل لمدة تزيد عن شهر بداعي إعادة الكشوفات، وأيضا إلزام الملحق الصحي بالحضور، أو حضور أحد من طرفه للترجمة، علما بأن لدي مترجم ليبي مرافق”.
يتحسر عبدالجليل وهو يسرد حكايته: “للأسف الدولة لم تتكفل بثمن الإقامة تلك الفترة، والتي اضطررت فيها للإقامة لمدة 74 يوما، كانت قيمة السكن فيها 1600 يورو في الشهر”.
ويتابع سرده: “الطبيب المختص طالب بإجراء ثلاث عمليات متفاوتة إلى جانب الراحة والمتابعة من عام إلى عام ونصف، وكل هذا الأمر لم تقم فيه جهات الاختصاص بتوفير أي شيء منه، ويحتجون عليّ بأنني لا أريد إجراء العملية”.
عبدالجليل ليس وحده في هذه المأساة، فالعشرات من هذه الفئة صاروا يتظاهرون أمام رئاسة الوزراء بشكل دوري طلبا للعلاج وتوفير الحياة الكريمة لهم. لكنهم لم يجدوا الاستجابة التي يأملون.
يستمر في عرض حكايته فيقول: “أستحلفكم بالله كيف سأقوم بإجراء عملية ولم يتوفر لي مكان للإقامة بعد الخروج من العملية؟ أم سيقومون بفتح أحشائي وعمودي الفقري، ومن ثم يرموني في الشارع؟.. حينها لن أستطيع المطالبة بعلاجي ولا المطالبة بحقوقي.. فأنا علي كرسي متحرك وأستطيع الدخول والخروج، ولم أتحصل على حقوقي، فكيف سأتحصل عليها وأنا طريح الفراش بدون رعاية أو علاج؟”.
عبدالجليل: الإعانة المنزلية توقف صرفها منذ سبع سنوات رغم ان قيمتها لا تتجاوز 650 دينارا في الشهر
يقول السعداوي إنه مهتم بملف مرضى ضمور العضلات ككل، وأنه كان أحد الأشخاص الذين تابعوا القضية أمام مكتب النائب العام، ويعتبر نفسه أفضل حالا من غيره، مشيرا إلى حالات لا تقوى على الحديث ولا المطالبة.
ويطالب مرضى هذه الفئة في وقفاتهم الاحتجاجية باستئناف الإعانة المنزلية المتوقفة منذ أكثر من سبع سنوات، والتي كانت تصرف لهم من الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي لتلبية الاحتياجات اليومية والرعاية المنزلية.
ورغم أن القيمة في حدود 650 دينار أي أقل من (100) دولار، فإن تراكمها جعل القيمة المستحقة حاليا تتجاوز (45) ألف دينار لكل حالة.
ويتساءل منتسبو الرابطة عن كيفية تصرف الصندوق في الأموال المخصصة لهم طيلة هذه المدة.
وترى الرابطة أن توفير الكراسي المتحركة من أبسط حقوق المرضى؟ وتطالب بالتحقيق ومراجعة سجلات الصرف للهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي للوقوف على أسباب التعطيل.
كما تلفت أنظار الحكومة والبرلمان والمؤسسات الرقابة للتحرك لرفع التهميش عن هذه الشريحة وتوفير الدعم المستحق لها.
محمد: التفتوا إلينا نريد حلا. حتى لا يكون الخيار هو ترك البلاد بحالها. ولن أعود إليها مطلقا!
محمد، شخصية أخرى من فئة ذوي الإعاقة، يقول إن ليبيا همشت المعاقين تهميشا تاما، واشتكى في مقطع فيديو بث على صفحة الرابطة من ضعف المرتبات متسائلا: “بالله عليكم، ماذا تكفي (650) دينار في الشهر؟ احتياجاتنا لا تغطي منها شيئا”.
يتنهد ثم يتابع: إلى متى سيظل الواحد منا هكذا؟ أليست بلادنا بلاد بترول؟ ألا تقولون إنها بلاد متحضرة؟ نريد حلا، نريد أن نعيش.
وشأنه شأن “عبدالجليل” يرى “محمد” ذي الواحد والعشرين عاما أن وضعه أفضل من غيره: “أنا أعمل وأستطيع توفير ثمن احتياجاتي الضرورية، لكني أبدا لا يمكن أن أفكر في تكوين نفسي، أو النظر إلى مستقبلي. ألا يفترض بالدولة أن توفر احتياجاتنا الأساسية؟”.
محمد في ظهوره، كان محبطا وفي غاية الاستياء، كان يقول: “لقد عشت هموما لم يعشها أحد، لكنني كنت أفضل الصمت دائما، والحمد لله، لكن الحقيقة أنه لولا والدي وأسرتي لما عرفت ماذا سيحدث لي”.
قال إنه يعاني من نوبات صرع، وتقرحات، ويحتاج إلى مستلزمات وعمليات، وفي مطلب اليائس من الإنصاف: “التفتوا إلينا نريد حلا. حتى لا يكون الخيار هو ترك البلاد بحالها. ولن أعود إليها مطلقا”- بهذا المعنى.
يشار إلى أن رابطة مرضى ضمور العضلات نشطت خلال هذا العام في حراك مدني لنيل حقوقها، ومما يذكر هنا لقاؤهم بممثلين عن الحكومة في الثامن والعشري من ينار الماضي.
وقد اجتمع بهم وزير الدولة عادل جمعة ووزير المواصلات محمد الشهوبي ورئيس لجنة إدارة صندوق التضامن الاجتماعي مصطفى الجعيبي. ومثلهم (فئة المرضى) نائب رئيس منظمة مرضى ضمور العضلات التوعوية أحمد شليبك.
اتفق في الاجتماع على أن تسلم المنظمة قائمة المرضى التي تضم (367) اسما، مسجلين بالتحليل الجيني والرقم الوطني. وقد تم.
يتساءل المرضى الآن ويوجهون تساؤلهم لرئاسة الوزراء ولصندوق التضامن الاجتماعي: أين هي النتائج؟ لماذا لم يتم الإيفاء بالوعود بعد ستة أشهر من إطلاقها، لماذا لم توفر أبسط الاحتياجات مثل الكراسي المتحركة؟ أين أنتم من معاناة هؤلاء؟ لماذا تتجاهلون الحقيقة وتختبئون خلف حجج واهية؟
الوقفات الاحتجاجية لم تتوقف، ولازلنا نرى أفراد هذه الشريحة يتوافدون من شتى ربوع ليبيا على مابهم ويقفون بالساعات أمام المؤسسات المعنية بقضيتهم، تحت الظروف المناخية الصعبة أحيانا. ويرى المدافعون عن حقوهم والمتضامنون معهم أن من المعيب ان يسمح لهؤلاء بالتظاهر أصلا. بل إن على المجتمع والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان أن تنظم هذه الوقفات بدلا عنهم، كما يحدث في الدول المتحضرة.
لازالت النداءات تطلق على صفحة الرابطة النشطة مؤخرا: “في دولة بترولية يفترض أن تكون هذه المطالب قد تحققت منذ عقود، لا أن تظل ترفع في لافتات الاحتجاج.. تظاهروا من أجل علاج ورعاية صحية، تظاهروا من أجل توفير كراس متحركة تعين على مصاعب الحياة، تظاهروا من أجل إنشاء مستشفى متخصص لعلاجهم ليرفع عنهم من معاناتهم، تظاهروا من أجل إعانة منزلية متوقفة لأكثر من سبع سنوات، تظاهروا من أجل معاش الـ650 دينارا لا يكفي حتى الحد من الاحتياجات، فكيف يمن يواجه تكاليف طبية مستمرة واحتياجات يومية خاصة”.