اخبارالرئيسيةعيون

لقاءات السيسي بآل حفتر وصالح: الحدود البحرية والغاز والانتخابات

العربي الجديد-

استقبل الرئيس المصري، في أقل من أسبوع، كلاً من خليفة حفتر برفقه نجليه صدام وخالد، ثم عقيلة صالح. وبدا هذا التحرك من مصر لافتاً في مضمونه وتوقيته، خصوصاً مع إعادة فتح ملف اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وتصاعد الحديث عن تسوية سياسية وشيكة تمهد للانتخابات الليبية المؤجلة.

كما جاءت هذه اللقاءات في القاهرة على خلفية تصاعد التوتر الأوروبي -التركي بشأن شرق المتوسط. وحمل اللقاء مع آل حفتر، دلالة واضحة على استمرار الرهان المصري على تحالف القوة في بنغازي. أما لقاء السيسي مع عقيلة، فكان رسالة موازنة تؤكد أن القاهرة لا تزال تمسك بالخيوط البرلمانية والسياسية إلى جانب العسكرية، في مواجهة أي محاولة لإعادة ترتيب المشهد الليبي بعيداً عن نفوذها.

وكانت القاهرة ترى في الاتفاقية البحرية الموقّعة عام 2019 بين أنقرة والحكومة الليبية برئاسة فائز السراج حينها، تهديداً مباشراً لترتيبات شرق المتوسط التي ساهمت مصر في صياغتها عبر منتدى غاز شرق المتوسط، إلى جانب تفاهماتها مع قبرص واليونان وإسرائيل. لكنها أبدت أخيراً مرونة في هذا الملف بعد التقارب مع أنقرة. وأعيد فتح ملف الترسيم البحري بين ليبيا وتركيا، قبل أكثر من أسبوع، إذ كشفت مصادر برلمانية ليبية لـ”العربي الجديد”، عن مناقشات في كواليس رئاسة مجلس النواب الليبي بشأن عقد جلسة للمجلس، لعرض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة عام 2019 على التصويت للمصادقة عليها.

وعلى الرغم من تحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة، لم يتغير الموقف المصري من الاتفاقية جوهرياً، إذ تعتبره تعدّياً على الجرف القاري المصري، وتخشى من استخدامها أداة لإعادة التمركز التركي في الجوار الليبي. ولهذا، رأى مراقبون أن اللقاء مع عقيلة، الذي يقود جهة التشريع الوحيدة المعترف بها دوليّاً، يحمل رسالة مزدوجة؛ دعم القاهرة البرلمان في مواجهة ضغوط تمرير الاتفاقية بصيغتها الأصلية، وتشجيعه على إدخال تعديلات تضمن حماية المصالح المصرية، أو على الأقل تأجيل المصادقة إلى حين اكتمال تسوية أوسع تشمل الانتخابات وتوزيع السلطة.

توقيت استقبال حفتر وصالح 

وقال المستشار السابق برئاسة الوزراء التركية، جاهد طوز، لـ”العربي الجديد”، إن “توقيت استقبال السيسي لحفتر ثم عقيلة يحمل دلالة مهمة للغاية، خصوصاً أنه جاء بعد أيام قليلة من إعلان البرلمان الليبي (لم يعلن رسمياً) عزمه المصادقة على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا”. وأوضح أن الاتفاق يندرج في إطار أوسع من مجرد الترسيم البحري، إذ “لدى القاهرة أجندة أوسع في ليبيا، لا تتعلق فقط بملف الحدود البحرية، بل تشمل أيضاً الموارد في الشرق الليبي، خصوصاً الغاز والذهب”. وبالتالي رأى أن “من الطبيعي أن تأتي هذه اللقاءات في سياق بحث مصر عن مكاسب مباشرة في تلك المنطقة”، مضيفاً أن هذه التحركات المصرية “لا يمكن قراءتها باعتبارها في مصلحة تركيا، نظراً إلى السياسة التي يتبعها حفتر تجاه أنقرة”.

ورجّح طوز أن “تكون اللقاءات قد شملت ملفات ذات طابع سياسي وعسكري، لا سيما في ظل التوترات الداخلية الليبية الحالية”. وبرأيه فإن “الوضع الحالي يُحتّم على مصر وتركيا التنسيق لا التنافس”، موضحاً أن “حتى لو اتفقت مصر وليبيا على التحرك في البحر المتوسط، فإنهما لا تمتلكان وحدهما الإمكانات التقنية للتنقيب والبحث، على عكس تركيا، التي تعد من بين الأقوى عالمياً في هذا المجال”. وباعتقاده فلهذا “التعاون مع تركيا هو الخيار الأجدى لمصلحة ليبيا ومصر معاً، بدلاً من التحالف مع اليونان أو قبرص أو دولة الاحتلال”.

وما زال الملف الليبي من بين أبرز نقاط الخلاف بين القاهرة وأنقرة، وفق طوز، رغم التحسن النسبي في العلاقات خلال العام الماضي. واعتبر أن “السياسات المصرية في ليبيا حتى الآن لا تعبّر عن احترام كامل لسيادة الدولة الليبية ووحدتها، لا سيما بسبب الدعم المعلن لحفتر وتنسيق القاهرة مع أطراف إقليمية ودولية تناصب أنقرة العداء، مثل الإمارات وفرنسا”. وأضاف أن استمرار هذا النهج “لن يفيد لا مصر ولا ليبيا، بل سيؤدي إلى تقسيم البلاد وزيادة نفوذ القوى المعادية للإقليم، وعلى رأسها دولة الاحتلال”. مع ذلك، لفت طوز إلى وجود مؤشرات إيجابية، تمثلت في تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين القاهرة وأنقرة، وباعتقاده فإن “المرحلة المقبلة ستشهد زيادة في الزيارات والمشاورات، بهدف الوصول إلى تفاهم يحقق مصالح الجميع”. وأوضح أن “الصدام المستمر لا يخدم سوى تل أبيب وأثينا، بينما يعاني الليبيون والمصريون من غياب الاستقرار الإقليمي”.

وقال إن المنطقة بحاجة إلى “تحول جذري في طريقة التفكير”، مشدداً على أنه “إذا توحدت مواقف الدول الإسلامية الكبرى كتركيا ومصر في ليبيا وشرق المتوسط، يمكن حينها فقط حماية السيادة والموارد من التغول اليوناني، وهذا ما ينبغي أن يُبنى عليه خلال الشهور المقبلة”.

ملفات استراتيجية

من جهته قال مدير المركز الليبي للدراسات، شريف عبد الله، لـ”العربي الجديد”، إن “اللقاءات المصرية الليبية أخيراً شهدت طرح ملف دور مصر وسيطاً وضامناً في الاتصالات الجارية بين حفتر في بنغازي وتركيا، في ظل حديث عن اقتراب مجلس النواب الليبي من المصادقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع أنقرة في عام 2019”.

وأوضح أن “القاهرة تُدير هذا المسار من الخلف، وتسعى لإدماجه في تفاهم إقليمي أوسع، لا يضر بمصالحها في شرق المتوسط”. وشملت اللقاءات، وفق عبد الله، أيضاً “ملفات استراتيجية حساسة تتعلق بالمنطقة الشرقية من ليبيا، في ضوء مساعي القاهرة للحفاظ على الهدوء وتفادي انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مسلحة إضافية بين الشرق والغرب، كما حدث عام 2019”. وبرأيه فإن مصر “لا تتحمل حالياً أي تصعيد جديد على حدودها الغربية، في ظل انشغالها بجبهات مفتوحة في غزة، والبحر الأحمر، وأزمة السودان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى