
الناس-
“لابوبو” لعبة تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي والأسواق، حتى أصبحت هوسا في كل الدول العربية والغربية على حد سواء.
دمية بحجم كف اليد وبأذنين مدببتين مع ابتسامة مخيفة، ومع هذا خرج معها الأمر عن السيطرة، وبسبب الترويج لها بيعت هذه اللعبة بمبالغ طائلة، وصلت إلى 125 ألف دولار، ووصل الهوس والجنون بها إلى حد لا يوصف، من التباهي لوضعها على الحقائب والملابس، حتى أنها قلدت ليصنع منها في العالم العربي نسخه باسم “لافوفو” والتي قدرت ب 55 دينار ليبي، لتحتل المحال والأسواق التجارية الليبية، وأصبحت من لعبة إلى ترند إلى أزمة اجتماعية، وهناك من ربطها بالشيطان ولا نعلم من أين جاء بهذا الكلام! إلا أنها أصبحت ظاهرة اتضح فيها أنها مثال حي على تأثير السوشل ميديا على هذا الجنون العالمي.
وبهذه اللعبة ترتفع أسهم وثروة وانغ نينغ صانع هذه اللعبة، وينخفض مستوى الوعي والثقافة، وتصبح لدينا لعبة اجتاحت العالم، وأصبحت سلوكا شرائيا خطيرا، ليس عند المراهقين فحسب بل ايضا عند الاطفال.
ترويج تجاري
بالبحث على القوقل اتضح أن نتائج البحث عن الكلمة باللغة العربية في حدود 750 ألف في أقل من ثانية. كمؤشر على حضورها لدى رواد الانترنت.
وتعرف “لابوبو” على أنها سلسلة من الدمى الصغيرة القابلة للتجميع اكتسبت شهرة هائلة في السنوات الأخيرة انطلاقا من آسيا ثم أخذت في الانتشار عالميا.
الشخصية الأيقونية في هذه السلسلة هي لابوبو نفسها، أما سر انتشارها فيعود لقوة تأثير إحدى النجمات العالميات حين شاركت صورا لها مع الدمية، الأمر الذي حول الاهتمام بالدمية إلى جنون جماهيري.
دمية عمرها تجاوز الخمسين
المفاجئ هو ما نشره موقع ويكيبيديا من أن الشخصية صممت منذ العام 1972 صممها فنان من هونج كونج اسمه “كاسينج كونج”. هذا الفنان نشأ في هولندا واستقر لاحقا في بلجيكا.
لكن اللعبة اكتسبت شهرتها الواسعة في العام 2019 أي –فقط- قبل ست سنوات بعد عملية ترويج لها، وبحلول العام 2025 أصدرت لوبوبو أكثر من (300) تمثال مختلف، تتراوح في الحجم بين (8- 80) سم، ويتراوح سعرها وفقا لذلك بين 15- 960 دولارا، وقد بيع لابوبو أخضر يبلغ ارتفاعه 1.2 متر بمبلغ (170) ألف دولار في مزاد رسمي أقيم في بكين.
تأثير سياسي وحتى ديني
لكن الأمر لم يقتصر على التعاطي التجاري للدمى كلعب أو تمائم، بل وصل إلى مستويات أخرى، فقد اقترح مجلس الاتحاد الروسي حظر بيع الدمى بسبب مظهرها المخيف وضررها المحتمل على الصحة النفسية للأطفال، استنادا على إشارات من لجان علمية وثقافية وهيئة حماية المستهلك.
في المقابل اكتسبت الدمية شعبية كبيرة في تايلاند إذ يعتقد البعض هناك أنها تجلب الثروة والحظ السعيد، حتى صنعوا منها تمائم ووشوما مقدسة.
وفي سنغافورة استخدمها حزب العمل الشعبي في الترويج السياسي للحزب. واستخدمها معبد “لينغ ليان باو ديان” في محاولة لجذب الأجيال الشابة إلى الممارسات الدينية التقليدية في مهرجان آلهة الأباطرة التسعة.
منهجية قديمة متجددة
وتستدعي هذه الظاهرة ظروفا مشابهة حصلت في مجتمعاتنا العربية ومجتمعنا المحلي في ليبيا، حول تأثير الكارتون على الأجيال الناشئة، فحين ظهر كارتون “مغامرات الفضاء” في ليبيا، وشد الأطفال إلى مشاهدة أناس خارقين بإمكانهم القفز والطيران، سجلت في بلادنا إصابات بين الأطفال وهم يحاولون محاكاة ما يشاهدونه على الشاشة الصغيرة.
وحين ظهر كارتون “البوكيمون” مع مطلع الألفية الجديدة شد إليه الأطفال العرب، إلا أن الحلقة الأخيرة من الكرتون لم تعرض أبدا، والسبب هو موت الشخصية الرئيسية في هذا العمل في آخر الحلقات (النسخة اليابانية). وأشارت التقارير بعد ذلك إلى دخول أطفال في حالة اكتئاب واضطرابات نفسية لتعلقهم بالشخصية. الأمر الذي دعا إلى حجب هذه الحلقة حتى اليوم، خشية التبعات.
وجه إيجابي
وهناك أمثلة أخرى للوجه الإيجابي لتأثير الكارتون على الصغار، فقد وضعت اليابان خطة لجذب الأولاد تجاه كرة القدم، فاختلقت بشكل ممنهج شخصية لاعب كرة القدم (عرفه العرب باسم الكابتن ماجد) ونجحت في زرع حب كرة القدم لدى الشباب الياباني الذي حلق في سماء الكرة العالمية في العقود الأخيرة.
وفي السويد لاحظ خبراء في التعليم عندهم أن الأولاد لا يميلون إلى مادة الجغرافيا ويملون من دروسها، وتوصل الخبراء إلى البحث عن جانب المتعة في المناهج الدراسية للمادة.
الأمر لم يكن سهلا، ولم تكن فيه خطوة عشوائية، بل استعين بالروائية العالمية “سلمى لاغرلوف” الحائزة على جائزة نوبل في الأدب، فكتبت “مغامرات نيلز” في الذي أنتج في مسلسل كارتوني ظهر في العام 1981، عن قصة طفل قزم يجوب العالم على ظهر طائر البط. وقدم لطلاب السويد وغيرهم مادة الجغرافيا بشكل مشوق جذاب.
مخاطبة الطفل أمانة
الخلاصة أن الوصول إلى عقول الأطفال مسألة جد دقيقة، والرسائل التي تصل إلى لاوعيهم لها وعليها، فقد تؤدي لمخاطر جمة، أما إذا وظفت بشكل علمي صحيح، متناسب مع أعمار الأطفال. فبإمكانها أن تحقق ما تعجز عنه مدارس وأكاديميات تقليدية. فهل سنراقب ما نقدمه لأطفالنا. أم نسمم عقولهم برسائل غبية، ونجني عليهم من حيث نحاول إسعادهم؟