
* كتب/ مفتاح محمود،
من المفترض أن تكون الرياضة متنفسًا للشعوب، وأداة لنشر الروح الجماعية والتسامح والانضباط، لكنها في بعض المجتمعات تتحوّل إلى أداة للفوضى والتخريب، وتصبح المدرجات ساحة صراع لا تقل خطورة عن ساحات الحرب.
هذا هو الحال الذي بدأت تتدهور إليه بعض الأحداث الرياضية في ليبيا، حيث لم تعد مباريات كرة القدم مجرد منافسة شريفة، بل أصبحت في بعض الحالات سببًا في الاعتداء على عناصر الأمن، وتخريب الممتلكات العامة، بل وحتى التهديد بتمزيق النسيج الاجتماعي.
من الترفيه إلى العنف: كيف بدأ شغب الملاعب؟ ظاهرة شغب الجمهور ليست جديدة، لكنها تتخذ أشكالًا مختلفة بحسب الزمان والمكان. يعود أقدم سجل تاريخي لما يُشبه شغب الجماهير إلى الإمبراطورية الرومانية، وتحديدًا في ساحات المصارعة، حيث كان أنصار المصارعين ينخرطون في مشاحنات دامية أحيانًا.
أما في العصر الحديث، فقد برزت الظاهرة بقوة في إنجلترا منذ ستينيات القرن العشرين، فيما أصبح يُعرف بـ”الهوليغانز” – وهي جماعات مشجعين مارست العنف والتخريب بشكل منظم، حتى أصبحت ظاهرة مقلقة للمجتمع البريطاني برمّته.
وقد شهدت ملاعب أوروبا العديد من الكوارث، أبرزها: كارثة هيسل– بلجيكا 1985: قُتل 39 شخصًا وأصيب المئات، بعد شغب بين جماهير ليفربول ويوفنتوس. ملعب هيلزبورو – إنجلترا 1989: مات 96 مشجعًا نتيجة التدافع وسوء التنظيم، بعد سنوات من التوتر بين الجماهير والشرطة. هذه الحوادث وغيرها أجبرت الحكومات على إعادة النظر في طريقة إدارة الرياضة ومشجعيها.
في ليبيا: المشجع يتحوّل إلى طرف في المعركة في ليبيا، ازدادت حدة شغب الملاعب بشكل واضح في السنوات الأخيرة. وما يثير القلق هو أن العنف لم يعد محصورًا في مشاجرات جماهيرية محدودة، بل وصل إلى: الاعتداء على أفراد الأمن العام داخل الملاعب. تحطيم أبواب المنشآت الرياضية والمرافق العامة. مطاردة اللاعبين أو الطواقم الفنية والإدارية خارج الملعب. تسييس الانتماء الرياضي، وربطه بالجهوية أو القبلية. وتشير بعض المصادر الأمنية إلى أن كثيرًا من أعمال الشغب تُخطط مسبقًا، وتشارك فيها مجموعات من خارج محيط الرياضة، مما يجعلها تهديدًا للأمن العام، لا مجرد انفعالات عاطفية.
تجارب الدول: كيف نجحت بعض البلدان في احتواء الظاهرة؟ العديد من الدول تعاملت مع شغب الجماهير كقضية أمن وطني، لا مجرد تجاوزات رياضية. إليك بعض التجارب الناجحة
1 إنجلترا: أنشأت قاعدة بيانات لكل مشجع متمرد، ومنعتهم من دخول الملاعب. نشرت كاميرات عالية الدقة داخل الملاعب، لرصد أي تصرف. فرضت غرامات كبيرة وعقوبات بالسجن حتى 5 سنوات لمثيري الشغب.
2 مصر: بعد كارثة بورسعيد (2012) التي راح ضحيتها 72 مشجعًا، تم تعليق حضور الجماهير لسنوات. ثم أعادت فتح الملاعب تدريجيًا تحت ضوابط صارمة وبطاقات مشجعين.
3 المغرب وتونس: نظّمت السلطات روابط المشجعين (الألتراس)، وفرضت على كل مجموعة قائدًا مسؤولًا عنها أمام القانون. اعتمدت حملات توعية في المدارس والإعلام، لشرح معنى “الروح الرياضية.
كيف يمكننا في ليبيا احتواء الظاهرة؟ لكي نمنع الرياضة من التحوّل إلى عبء أمني أو تهديد مجتمعي، لا بد من العمل على عدة مسارات: إعادة تأهيل الملاعب، لتصبح مؤهلة لاستقبال الجماهير وفق معايير السلامة. تأسيس منظومة لتسجيل المشجعين، ومنح كل مشجع بطاقة إلكترونية تُستخدم للدخول، ويمكن سحبها عند المخالفة. إطلاق حملات توعية وطنية، تشرح أن الرياضة ليست “حربًا أهلية مصغّرة. “إدماج روابط المشجعين في أنشطة تطوعية، حتى يشعروا بأنهم جزء من المشروع الرياضي لا عبئا عليه. سنّ قوانين صارمة، وتطبيقها دون تهاون.
في الختام الرياضة ليست ساحة حرب. والمباراة تنتهي بصافرة الحكم، لا بكسر أبواب الملاعب أو تحطيم سيارات الشرطة. ما نحتاجه هو وعي مجتمعي، وإرادة سياسية، وتعاون بين كل الأطراف. فالأندية، واللاعبين، والمشجعين، والجهات الأمنية، والإعلام، جميعهم مسؤولون عن الصورة التي نرسمها عن ليبيا من داخل المدرجات. لا نريد أن نخسر وطنًا من أجل هدف ضائع في مباراة.