الرئيسيةالراي

رأي- الليبيون بين خرافة الجن والسحر.. ونظرية المؤامرة

* كتب/ خالد الجربوعي،

خرافة السحر والجن..

موضوع الجن والسحر في ليبيا ليس أمرا طارئا أو حدثا عابرا اختصت به الأحداث التي جرت مؤخرا بمدينة الأصابعة خلال الأيام الماضية.

الموضوع أكبر من ذلك بكثير، ويمكن وصفه بثقافة مجتمع متجذرة بشكل لا حد له، ومن مختلف الشرائح، حتى أكثرهم علما وثقافة كما يدعى على الأقل، فيكاد كل شيء في البلاد يتحول إلى ارتباط بالسحر والجن..

فمن يفشل في الدراسة لدى البعض مسحور “كاتبيله”.. ومن يصاب بمرض خاصة إن كان مرضا عضالا من الأمراض المزمنة، والتي يكاد يكون الشفاء منها لا مكان له مسحور..

ومن لا يتمكن من الزواج خاصة العنصر النسائي مسحورة وعليها كتيبة.. إلى الكثير من الأمور الأخرى مثل حوادث السيارات والفقر إلى غيرها من كوارث خاصة وعامة، وإن كان جلها يتم في أحاديث خاصة ومحدودة لا تصل إلى مستوى وعلنية ما ترافق مع أحداث الأصابعة.

فلهذا الأمر ليس مستغربا ولا جديدا.. فالجن والسحرة كما يبدو هم من يتحكمون في المشهد الليبي، لهذا لا تلوموا الشعب الملائكي على أي فعل يقوم به، فهو يفعل ذلك دون إرادته، بسبب السحر والجن الذي يتحكم في أفعاله ويقوده لفعل ما حدد له، أما الشعب بطبعه فهو بريء وطيب، ولا يفعل كل ما يحدث في البلاد ولا علاقة له بكل ذلك.

إضافة إلى أنهم من خلال مثل هذه الأمور يحاولون التبرير لكثير من الأفعال، خاصة عند الفشل لاصحابها بترجيعها إلى السحر والجن وما صاحبه، وكأنهم أناس ملائكة لا يفعلون إلا كل خير وإيجابي وناجح، لكن السحر والجن هو من يقف أمامهم ويمنعهم من تحقيق كل أهدافهم خاصها وعامها.

ولعل ما شهدته مدينة الأصابعة من أحداث، تمثلت في اشتعال الحرائق في بيوت المواطنين بشكل كبير دون معرفة أسبابه الواضحة حتى الآن تقريبا، وما صاحبها من تعداد الروايات والأسباب والأخبار حول ما حدث.. فكل واحد يريد أن تكون رؤيته هي الحقيقة بأي ثمن، حتى يظهر أنه صاحب الكلمة والدور في كشف وإيقاف ما حدث.. لتبقى الحقيقة هي التائهة، وأصحاب المسؤولية هم الغائبون فعليا ولو حتى حين.. وتأكدوا أنه عندما تنتهي الأحداث دون كشف حقيقتها فعليا ستبقى الروايات التي تدور حاليا هي السائدة، حتى لو تبينت بعد ذلك الحقيقة ولو متأخرا، خاصة إن كانت معاكسة تماما لكل ما يروج له البعض في هذا الوقت ..

دون أن ننسى الإشارة إلى بعض ما يحدث في ليبيا في السنوات الأخيرة، خاصة العاميين الأخيرين من أحداث لها علاقة بالطبيعة والأزمات والكوارث، يبدو أنها تعجز حتى أكبر المتخصصين في كل المجالات العلمية والاجتماعية من تفسيرها.. خاصة من ناحية التعامل الشعبي والرسمي معها، كأخبار وإشاعات، أو كفزعة أو نتائج أو أسباب لا يكشف عنها ولا يعلمها إلا الله، وكأنها من الأسرار التي لا يجب الحديث عنها أو الخوض فيها ..

فالليبيون ورغم أنهم يريدون بل أصبحوا يمتلكون أحدث وسائل التقنية وأفضل اختراعات العصر شكليا وتباهيا بها على بعضهم البعض، من سيارات ووسائل اتصال وغيرها، إلا إنهم فعليا -كما يبدو- مازالوا يعيشون في أزمنة التاريخ الغابرة، وبخرافات الماضي جوهريا وفكريا وعمليا، وهنا يكمن الفرق بين الشكل والجوهر..

في ليبيا كل شيء وكل حدث وفعل شخصي أو عام، أصبح له علاقة بالجن والسحر، يعني هل رأيت هالشعب الملائكي وإلا المصنع أو المنتج أو الذي يفكر لكل العالم ويخترع لهم كل شيء، هو أفعال الليبيين وما يقومون به بأنفسهم ممكن حتى الجن ما فكرش فيها أصلا،  وبعد ذلك شعب كهذا، الجن لن يتعب نفسه معه، بل مرتاح من ناحيته بشكل تام، فهو (مكفّي وموفّي) قالك جنون وسحرة وخزعبلات.

نظرية المؤامرة ..

أما في موضوع المؤامرة ونظريتها فحدث ولا حرج، فكل ما يحدث داخل البلاد من صراعات سياسية من أجل السلطة والكراسي والتمسك بهما وما شاهدته البلاد من أزمات وصلت إلى حد الحروب والمواجهات وسفك الدماء، وتدمير البناء وانقسام البلاد طيلة السنوات الماضية وغيرها، ما هو إلا مؤامرة خارجية لا علاقة لهذا الشعب الطيب بكل فئاته بها، ولا يد له في أحداثها وحقيقتها.. فليس أبناؤه من يطلبون السلطة بأي ثمن.. ولا هم من رفع السلاح في وجوه بعضهم البعض.. ولا من هددوا بتقسيم البلاد من أجل مصالح محدودة.. و لا من هرب النفط ولا من أهدر الأموال، ولا من باع البلاد وأفقدها سيادتها.. فكل ذلك لابد أن يتم تحويله وبشكل كلي، ووضعه تحت بند نظرية المؤامرة الخارجية طبعا.

فهذه المؤامرة أصبحت هي المشجب الذي تعلق عليه كل الأفعال والأحداث التي تعيشها البلاد، وإن كان الأمر لا يتوقف عند ما حدث في السنوات الأخيرة، ويتواصل حتى اليوم، بل يعود إلى عقود ماضية، وتحت حكم النظام السابق، الذي حوّل كل شيء إلى مؤامرة، ووضع البلاد وكأنها تحت أنظار كل الدول الأخرى التي ليس له عمل إلا التآمر على ليبيا وشعبها وثروتها، وخاصة ما سمى بزعيمها وقائدها من أجل التخلص منه، لأنه يهدد وجود الآخرين، ويقف حجر عثرة أمام بقية دول العالم من أجل التقدم والعيش بسلام.. فأصبح كل حدث وكل فعل يحدث في البلاد يكون اول متهم هو المؤامرة الخارجية حتى لو كان هذا الفعل من أعمال ابناء البلاد وأصحاب السلطة أنفسهم، من أجل مصالحهم الخاصة والشخصية.

وكل هذا الكلام لا يعني عدم وجود السحر بشكل، فهو أمر موجود وله مكان، ولا أن التدخل الخارجي لا مكان له، لكن ذلك يتم تحت بند المصالح، وكل يبحث عن مصلحته بطريقته، ومن لا يعرف كيف يفعل ذلك سيكون هو ضحية الآخرين بمؤامرة أو بدونها، لكن ليس بهذا الحجم من المبالغات والإشاعات التي فاقت كل تصور سحرا ومؤامرة..

لتكون ليبيا الدولة الوحيدة في العالم التي شعبها مسكين وطيب ولا يفعل أي أمر غلط أو سلبي، وكل ما يحدث بها من أحداث ومصائب إما جن وسحر، أو مؤامرة وتدخلات خارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى