
الناس–
دعا رئيس مجلس إدارة المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، الدكتور “محمد الطاهر الجراري” إلى ضرورة تبنّي رؤية وطنية شاملة تعلي من قيمة الاستثمار في التاريخ، مشددًا على أن غياب هذا الاستثمار يؤدي إلى طمس الهُوية الوطنية، ويهدد الذاكرة الجمعية للشعب الليبي.
وفي بيان مطوّل نشر الخميس 9 مايو 2025، وجهه إلى النخبة والمهتمين، أكد الجراري أنه “لا يمكن الاستثمار في إنسان لا يعرف جغرافيته ولا تاريخه، ولا يملك ولاءً لتراب وطنه”، محذرًا من أن الدخول في السوق بلا رأس مال، والعبور بلا جواز، والمعركة بلا رجال، كلها تعني الاستثمار بلا تاريخ وبلا أبطال.
وأضاف: “لا أعرف كيف يمكن أن نزرع ولاءً فيمن لا يعرف أرضه ولا من ضحوا لأجلها، ولا كيف يمكن أن نعطي صكوك التملك لمن لم يقدّم جهدًا ولا عرقًا ولا دمًا لأجلها”، مؤكدًا أن التاريخ هو الذاكرة الحيّة التي توثق التضحيات وتشكل وجدان الأجيال.
وقال الجراري إن أكثر من 750 معركة خاضها الليبيون ضد الاستعمار، وهي موثقة ومصورة ومحفوظة في أرشيفات المركز الليبي، لكنها تحتاج إلى من يعيد قراءتها وتفعيلها كمرتكز للهوية الوطنية الجامعة، “التاريخ ليس الماضي فقط، بل هو الذي نستمد منه كياننا، ونبني عليه استراتيجيات المستقبل” وفق تعريفه.
وأشار إلى أن “الاستعمار لم يدخل ليبيا عام 1911 دون مقاومة، بل واجهه رجال القبائل والوطنيون ممن قدموا أرواحهم في سبيل الوطن، وكان لهم حس وطني متقدم يفوق حتى مرحلة بناء الدولة”، معتبراً أن “أخطر ما يهدد المجتمع اليوم هو التفريط في هذه المرحلة الحرجة، عبر إضعاف الصلة بالتراث الوطني”.
ووجه الجراري نداءً إلى الأكاديميين والباحثين والمؤسسات الإعلامية والثقافية لتكثيف الجهود من أجل ترسيخ ثقافة الذاكرة، والاعتراف بالتاريخ كمكون أساسي من مكونات النهضة الوطنية، قائلاً: “من لا يملك أرشيفه، لا يملك قراره، ولا مستقبله”.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن “التاريخ لا يُستثمر في الهامش، ولا على يد الطارئين، بل هو مشروع وطني، يتطلب استثمارًا صادقًا بالعقل والجهد والدم، حتى نضمن عبورًا آمنًا نحو المستقبل”