الرئيسيةالراي

رأي- لماذا نحتفل بعيد العمال؟

* كتب/ وحيد عبدالله الجبو،

 اليوم في عيدهم تُكرَّم الأيادي التي تبني الحياة وتصنع التقدم بصمت نقول لهم جميعا تحية لمن يصنعون الحياة ويكافحون لضمان حياة كريمة ورفعة الوطن.

إن قيمة الأيدي العاملة تجدها تبني بدون ملل. في كل شارع، وفي ظل كل مبنى شاهق، وفي كل بستان وفي كل ورشة وفي نبض المصانع والمزارع وتحت حرارة الشمس، وفي برد الصباح والشتاء هناك من يعمل دون أن يُذكر اسمه أو يُسلَّط عليه الضوء، في وسائل الإعلام أو صفحات الانترنت والتواصل الاجتماعي. إن عيد العمال ليس مجرد تاريخ يُحتفى به، بل هو لحظة تأمل صامتة في قيمة الجهد الإنساني، في معنى أن تنهض الحضارات على أكتاف بشر يُتعبهم العمل ولا يُرهقهم الإخلاص والتفاني والإبداع، فالعمال هم المنتجون، وإذا زاد الإنتاج زاد الرخاء في المجتمع، وتحسن مستوى المعيشة، ولم يكن العمال يوما عالة ثقيلة على المجتمع، بل قيمة اقتصادية مضافة بالإنتاج والنشاط والتشييد.

إن الاحتفال بعيد العمال لا يقتصر على رفع اللافتات أو تنظيم العطل الرسمية، بل يجب أن يكون دعوة صادقة لإعادة تعريف القيمة الحقيقية للعمال، فالعامل ليس فقط من يحمل المطرقة أو يرتدي المعطف الأزرق، بل هو كل إنسان يضع لبنة في بناء الحياة: المزارع الذي يزرع الأرض لتُطعِمنا، المعلم الذي يصنع الوعي، ويحارب الأمية والجهل، والممرضة التي لا تنام لتطمئن وتقوم برعاية المريض، وحتى الأم التي تعمل بصمت وتربي الأجيال القادمة على الأخلاق والفضيلة دون راتب أو إجازة. إن الام المربية هي قيمة مضافة اجتماعيا.

إن العمل شرف وواجب على كل القادرين عليه، وعلى الدولة ضمان الحياة الكريمة لغير القادرين صحيا عليه، وفي هذا اليوم التاريخي بهذه المناسبة الطيبة والعمال في كل البقاع يحتفلون بعيدهم البهيج حيث يعلّمنا عيد العمال أن العمل لا يُقاس بالأجر فقط، بل بالأثر.

إن بعض الأيادي التي تتسخ بالزيت والغبار هي نفسها التي تُنير مستقبل الأجيال. وتصنع التنمية والتقدم، وإذا أردنا مستقبلًا أفضل، فلا بد أن نحترم العرق الصامت كما نحترم النجاح الصاخب. ربما نُخطئ عندما نحصر معنى العمل في الوظيفة. لأن العمل في جوهره هو العطاء بلا حدود، وهو الحضور الحقيقي في الحياة. وكل يد تبني، تنظف، تصنع تصلح، ترعى، تعلم، تزرع تخترع تستحق التكريم، لا في يوم واحد، بل في كل يوم.

في هذا اليوم لننظر إلى العامل، لا كمحرك لماكينة وآلة الإنتاج، بل كإنسان يحمل حلماً بتحسين معيشته وحاجة وكرامة. ولنجعل من عيد العمال بداية لتصحيح النظرة في تقدير كفاحهم وقيمة جهدهم، واحترام كرامتهم وتقديم حقوقهم بدون مراوغة أو مماطلة، فتحية إلى العمال وتحية إلى الجهد المبذول منهم والتقدير لنضالهم الشريف المستمر من أجل الحياة الكريمة لأسرهم.

ومن أجل تحقيق التقدم والازدهار لوطنهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مستشار اقتصادي وكاتب صحفي متخصص في الشأن العام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى