الرئيسيةثقافة

الشعر الشعبي الوثائقي. الجزء المهم من ذاكرتنا الوطنية

* كتب/ عبدالوهاب الحداد،

 لا شك أن الشعر الشعبي الليبي قد أسهم بشكل بارز في توثيق مرحلة الجهاد ضد الغزو الإيطالي، وكان من أهم مصادر تسجيل تلك اللحظات التي قد تغيب تفاصيلها عن الكتب.

هذا النوع من الشعر لم يكن مجرد تصوير فني، بل كان بمثابة وثيقة تاريخية نابضة بالحياة، حملت حكايات البطولة والخذلان، الانتصار والانكسار، وأرّخت لفصول نضالية بأسلوب شعبي صادق.

وقد تصادفُنا بعض الدراسات الأكاديمية التي تناولت هذا الجانب، تحت عنوان “الشعر الشعبي كمصدر تاريخي”، لتؤكد أن المرويّات الشعرية الشعبية لا تقل أهمية عن الوثائق المكتوبة أو الروايات الرسمية في دراسة تاريخ الجهاد الليبي. غير أن المتتبع لهذا الأدب يلحظ فجوة في توثيق كثير من المدن والمناطق، ومنها مدينة مصراتة، التي رغم دورها المركزي في مرحلة الغزو الإيطالي، لم تحظ -على حد علمي- بجمع واف لشعر وشعراء تلك المرحلة، سوى ما يُتناقل شفهيًا بين الناس من بعض الأبيات.

المصدر الوحيد الذي صادفني -رغم قصر اطلاعي- هو كتاب الشيخ محمد قريو رحمه الله، “معارك الجهاد التي وقعت في مصراتة زمن الحروبات الإيطالية”، حيث لم يكتف بسرد وقائع المعارك، بل عمد إلى توثيق نماذج من الشعر الشعبي المرتبط بتلك المعارك، فأنقذ بذلك جزءًا من ذاكرتنا الوطنية من الضياع.

من بين ما وثقه الشيخ قريو، أبيات المجاهد محمد الفرطاسي عن معركة الرميلة (20 يوليو 1912):

يوم ارميلةْ سيدي صالح ** يوم عطيب على الطليان

خرج صايل يمشي وينابح ** يبغي يحتل الغيران

وكذلك أبيات المجاهد علي بن حسن عن معركة الشبيط (26 يوليو 1912):

يوم الشبيط المشهور ** اللي فيه الطليان هجمْ

بغى يرد الثار على الفور ** جا يوم عليه امظلّمْ

أما معركة سبخة بوفار (25 مايو 1915)، فقد خلدها المجاهد محمد أبو زيتونة قائلًا:

يوم ظهر جيش الطليان ** وجا يبغي فك الحصار

ظهرنا له من كل مكان ** ولم يبق واحد في دار

وعن محنة الهجرة من السدادة وثمد أبي خطوة عام 1923، رسم المجاهد حسين الحطبة صورة مأساوية حين قال:

في ثمد بو خطوة قصرت الخطوات ** وفي السدادة انسدت الأبواب

وفي نفد نفدت الأقوات ** وجا للناس الشر والاتعاب

واللي يرجع ويقر بالغلبات ** خير من يضيع في صحرا الاذياب

لولا جهود الشيخ محمد قريو، لما وصلتنا هذه الشهادات الحية التي تروي حكاية أجدادنا بكلماتهم وأحاسيسهم، ولاختفى كثير من هذا الشعر التوثيقي كما اختفى غيره مما لم يُدون.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى