الرئيسيةالراي

رأي- التزلف والكذب على الله!

* كتب/ محمد جمعة البلعزي،

في زيارة خاطفة لمدينتي.. بعد عقود.. هالتني كثرة المساجد التي طاولت مآذنها السحاب.. وتعدد الأئمة وتنوع أشكال اللحى التي لصقت بوجوه الذكور.. من مختلف الأعمار.. واختلاط أصوات المؤذنين دفعة إلى حد النشاز.. وكأنهم يتبارون في سباق ماراثون صراخ..

اعتقدت حينها أن الناس في مدينتي تابوا عن ارتكاب المعاصي وتخلّوا عن مخالفة أمور دينهم وابتعدوا عن لهو وغواية دنياهم.. سرت بجسدي فرحة غامرة لم أعرفها قبلاً..  استفسرت عن السبب من أحد المقرّبين.. فأوضح مشكوراً.. بأن المساجد شيّدها أناس أصبحوا في زمن قصير من أثرياء البلد.. بعد أن كانوا من فقرائه.. باختلاس خزينة الدولة أو سرقة أموال الناس أو أكل حقوق اليتامى والأرامل.. ومع تقدمهم في السن وقبل أن يفاجئهم الموت.. حاولوا التكفير عن معاصيهم ببناء مساجد.. أطلقوا عليها أسماءهم أو ألقاب عائلاتهم.. لعل الله يقبل توبتهم بما “تبرعوا” به لصالح الإسلام والمسلمين!!

ورغم أن المسألة فيها كثير أقوال وليس قولان فقط.. كان بالأحرى صرف تبرعاتهم تلك على مراكز علم وأبحاث وتدريب.. مدارس ومعاهد وكليات وجامعات.. مصانع ومعامل.. وجعل كل إمام مأجور أو مؤذن أساتذة ومعلمين.. فكلها أعمال خيرية ربما رفعت البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة..  كانت المساجد قديماً يشيّدها أصحاب البرّ والتقوى وأهل الخير.. بجمع تبرعات الناس.. صدقة أو زكاة.. ثم يطلقون عليها اسم منطقتهم أو أحد الصحابة أو الخلفاء الراشدين أو الفقهاء أو الأولياء الصالحين..  تجولت بين بعضٍ من تلك المساجد.. فورد على ذهني شراذم القراصنة العثمانيين.. الذين حكموا سكان بلدي بالعنف والقتل وسفك الدماء.. وسلخوا من جلودهم سيوراً في شكل ضرائب وأمكاس وإتاوات وأعشار.. ليصرفوها على قصورٍ شاهقات وليالٍ ماجنات.. وحريم شرعيات وملكات اليمين من سرارٍ ومحظيات.. وآهٍ وآهات.. فسارعوا.. قبل أن يدركهم الموت من حيث لا يدرون.. ليشيّدوا مساجد وجوامع ألحقوا ببعضها حمامات للخواص.. ويسمحوا للعامة باستعمالها أياماً معدودات.. لتحمل مدى التاريخ أسماءهم وتأوي جثثهم في أضرحة عالية.. نصبت عليها شواهد بأسماء “بايات” و”بـاشاوات” و”آغات”..  لكن الأدهى والأنكى والأمرُّ.. إن ناس بلدي لا زالوا إلى يومنا يسمّون أولئك القراصنة والسفاحين بالأسياد.. ويتضرّعون إليهم ويتبركون بأعتابهم ويحلفون بهم.. فلا غرابة أن نشهد في عصرنا الحالي أناساً يسيرون على النهج الذي سار عليه أولئك القراصنة المجرمين.. وكأن الله لا يدري بما يفعلون! أقول قولي هذا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى