الرئيسيةالراي

رأي- ليس بالضرورة أن تنجح التضحيات

* كتب/ عبدالعزيز الغناي،

في يالطا في فبراير 1945 اجتمع سادة العالم من الحلفاء المنتصرين ضمنيا وقتها على دول المحور لتقسيم تركة النازيين في الأراضي التي كانت تحت إدارتهم، والتحضير لقتال الامبراطورية اليابانية. ومن ضمن ما تم الاتفاق عليه هو تقسيم ألمانيا إلى شرقية تحت إدارة السوفييت، وغربية تحت إدارة الغرب.

مرت السنون وكانت ظروف ألمانيا الغربية المعيشية أفضل بكثير من ظروف الألمان الشرقيين، الذين امتلكوا بعضا من المتعصبين الذين اختاروا ويسوقون باستمرار أن نار السوفييت أرحم من جنة بون (عاصمة ألمانيا الغربية).. اشتعلت الحرب الباردة وتنامت سطوة السوفييت والأمريكان، وكانت ألمانيا ضحية هذا الصراع كغيرها، لكن الشعب الألماني شرقا وغربا رفض فكرة التقسيم على الرغم من وجود اختلافات فكرية وعرقية، وإثنية واجتماعية بين الشرق والغرب، كأي مجتمع كبير.

لم يتعامل قادة الغربية بذات أحقاد القادة الشرقيين، وتنازلوا إلى أبعد الحدود من أجل وحدة الدولة، قررت ألمانيا الغربية تسديد ما طلبه الاتحاد السوفييتي من مبالغ مالية اعتبرها ديونا على الشرقيين، بل وافق على دفع التكاليف المالية لانسحاب القوات السوفييتية من ألمانيا الشرقية، من أجل وحدة الشعب قبل وحدة الدولة، وبلغت التكاليف أكثر من 14 مليار دولار، بتقييم قيمة الدولار قبل 35 سنة، و8 مليارات مارك ألماني.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، تكلفت غزة فاتورة باهظة من القتل والجوع والمعاناة والخوف، لتضع على أولويات شروطها التفاوضية مع الكيان الصهيوني تحرير آلاف الأسرى لدى الكيان من سكان الضفة الغربية، في تضحية نادرة لا يمكن حتى فهمها بسهولة أمام الانتهازية السياسية التي تحكم العالم والأحزاب والفصائل.

ليبيا أيضا كيان واحد مختلف اجتماعيا وثقافيا عن دول جوارها، ولا يمكن لدولة جوار أن تبتلعها بسهولة، ومع هذا تنقسم ليبيا بشكل مأساوي وغير مبرر إلا بغياب الوطنيين، وتغييب الشعب الذي ربما لا يقدر حاليا مآلات ما سيترتب عن هذه الشحناء والبغضاء إذا ترسخت بمرور السنين والأجيال.

إن التجارب الوطنية الليبية منذ أن تشكلت هذه الجغرافيا غنية بالمواقف التوافقية والتضحيات البناءة، من أيام التجريدة لحرب السنوات الأربع قبل قرنين، إلى التلاحم في محاربة الاحتلال الإيطالي في القرضابية وغيرها، إلى توافق سياسي فترة المملكة، وحتى انقلاب الضباط الوحدويين الأحرار، كان بتمثيل جغرافي عريض، ثم باكورة ثورة فبراير وهي جوهرة التاج بالنسبة لمواقف الالتحام بين الليبيين.

إن وحدة الأوطان ليست بالأمر الهين، وإنها وإن كانت مؤلمة للبعض إلا أن رسائلها للخصوم قوية ومؤثرة، وتصيبهم بنوع من اليأس وعدم التفكير مجددا، في محاولة تقسيم هذا الوطن.

ليس بالضرورة أن تنجح التضحيات، فألمانيا قبلت التوحد ولكن كوريا مقسمة إلى يومنا هذا، بالرغم من أنها من عرقيات قريبة جدا، وإن التقسيم والحرب الكورية الدامية كانت فترة الحرب الباردة، لذا فكما يتوجب علينا النظر للجوانب المضيئة علينا أن نتذكر السودان وكوريا والبوسنة والهرسك، وغيرها من مشاريع الدويلات الصغيرة التي ترسخت بعد حروب دامية والنزاعات السياسية، وأن نتناقل للأجيال ما تسبب به طوفان الغضب الغزاوي من أفراح، وجمع شمل الأسر في الضفة الغربية، ليرسخ أن فلسطين وان طل الزمن وتقطعت الأوصال، دولة واحدة وشعب واحد.

المزيد: 

رأي- واجه الحقيقة وإن كانت صادمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى