الرئيسيةالراي

رأي- دع العدو يتجرع مرارة خيباته

* كتب/ عبدالله الكبير،

يروي ابن عبدربه الأندلسي في “العقد الفريد” حادثة مفادها  أن الخليفة عمر بن الخطاب قدم الشام على حمار وكان معه عبدالرحمن بن عوف على حمار، فتلقاهما والي الشام معاوية بن أبي سفيان في موكب ثقيل فأعرض عنه عمر ثم سأله: يا معاوية. أنت صاحب الموكب مع ما بلغني من وقوف ذوي الحاجات بابك؟ فقال نعم يا أمير المؤمنين.

– ولم ذاك؟

فأجابه: لأننا في بلد لا نمتنع فيها من جواسيس العدو، ولابد لهم مايرهبهم من هيبة السلطان.

فقال عمر: إن كان ماتقول حقا فإنه رأي أريب، وإن كان باطلا خدعة أديب.

كانت الشام على تخوم الإمبراطورية البيزنطية، المتأهبة لاستعادة ما فقدته مع تراجعها أمام مد الفتح الإسلامي، ومادامت حالة الصراع قائمة، والجواسيس ينشطون تحت غطاء التجارة أو زيارة المعابد والكنائس، فلمعاوية أسباب حقيقية لإظهار القوة والهيبة والمنعة، ولذلك لم يأمره الخليفة عمر معاوية بالتوقف عن هذا السلوك، والالتزام بالزهد والمظهر المتواضع.

من بين الآراء التي راجت قبل جولة التسليم السادسة بين المقاومة في غزة وبين كيان الاحتلال، دعوة حماس إلى تجنب الإمعان في استفزاز العدو، بإظهار عناصر القوة والسيطرة، بنشر جنودها بقيافة أنيقة وسيارات حديثة وأسلحة غنموها من العدو، ومنصة باذخة محملة برسائل واضحة، وأخرى ضمنية للعدو ومن شايعه، أو بصيغة أخرى تسليم الأسرى دون مراسم أو استغلال للحدث. لتجنب إغاظة العدو واستفزازه فيعاود الهجوم على غزة، بوحشية أكبر ومستوى أعلى من العنف؟

وكأن العدو إذا أراد نسف الهدنة والعودة للحرب لن يجد الذريعة، وهو القادر، مثل كل المستعمرين والغزاة عبر التاريخ، على خلق الذريعة وترويجها وتكرارها، حتى تصبح مسلمة لها مؤيدون وأنصار ومتعاطفون. إن غزو العراق عام 2003 قام على قصة ملفقة عن الأسلحة الكيماوية، رغم كل الأدلة القاطعة على عدم وجودها، لكن أمريكا كانت مصممة على الغزو، ولم تأبه للقانون الدولي، وطرحت كل ماقدم لها من أدلة دامغة على تخلص العراق من ترسانة أسلحة الدمار الشامل، ونفذت غزوها.

هل سيتعاطف العدو إذا ظهرت المقاومة بشكل ضعيف؟ ويعيد النظر في وحشية حربه، ويستيقظ ضميره، ويأخذه الندم على ما اقترفه من جرائم، إذا ظهر مقاتلو حماس أثناء تسليم الأسرى، بالضمادات الطبية والعكازات على عربات الإعاقة؟ وهل ثمة وحشية أكثر من استباحة العدو للمستشفيات ودور العبادة وخيام النازحين، والاستهداف المباشر للأطفال والنساء؟

لن يتعاطف العدو أبدا مع المقاومة، وسيبقى هاجسه وصداعه المزمن القضاء عليها واستئصال الشعب الفلسطيني، ولن يتزحزح عن هذا الهدف مطلقا، وفي ممارساته عبر كل حكوماته، ووحشية جيشه، وهمجية قطعان مستوطنيه، الدليل القاطع على عدم جدوى الحديث عن السلام والتعايش معه.

كل جولات الصراع خلال قرن كامل، تبين أن الصراع مع كيان الصهاينة في فلسطين المحتلة، ليس صراع حدود بل صراع وجود، ولن يحسم إلا بطردهم منها وإعادتهم إلى البلدان التي جاءوا منها.

إن ما تقرره المقاومة وتنفذه بكل كبرياء وشموخ، هو وحده الذي سيحطم كل الأساطير التي روجها الكيان عن قوته التي لاتقهر، وهذ تفصيل أساسي لدحض كل الأوهام والروايات المثبطة للعزائم، التي راجت خلال العقود الماضية من آلة إعلامية جبارة ومهيمنة، فإغاظته بإظهار القوة ستعمق مشاعر الإحباط في نفوس قطعان المستوطنين الهمج، ليتجرعوا مرارة خيباتهم، وليتذكروا دائما أن كيانهم هش ولن يكتب له الاستمرار والرسوخ في فلسطين، رغم امتلاكهم لأسباب القوة بفضل الدعم الغربي، وأن زوالهم وسقوط كيانهم حتمي.

مثلما تدهشنا غزة بصمودها الأسطوري، تستنهض فينا  المقاومة مشاعر الفخر بكل خطواتها المظفرة الواثقة، بحسن إدارتها للمعركة في ميادين القتال، بالإثخان في جنود العدو بشجاعة منقطعة النظير في ميادين القتال، وبالثقة العالية بالانتصار على منصات تسليم الأسرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى