اخبارالرئيسيةالراي

رأي- مقايضة النفط واتساع هامش الفساد

* كتب/ عمر السويحلي

مؤسسة النفط ترفض طلب ديوان المحاسبة إيقاف العمل بنظام المبادلة (أي نفط خام يصدر مقابل استيراد منتجات نفطية مكررة)

هذا هو الخبر الذي نُشر، أما الأهم من ذلك فهو السؤال: لماذا لم تنجح ليبيا في إنشاء معامل تكرير تكفي لاستهلاكها؟

رغم أن ليبيا تعد واحدة من أغنى دول العالم بالنفط ونفطها من أعلى درجات النفط في العالم جودة، فهي تملك أكبر احتياطي في إفريقيا والتاسعة عالميا، إلا أنها فشلت، سواء في عهد القذافي أو بعد الثورة، في بناء معامل تكرير كافية لتلبية احتياجاتها المحلية. ويعود ذلك إلى أسباب سياسية، اقتصادية، وإدارية متراكمة منذ عهد القذافي ومنها:-

تركيز نظام القذافي على تصدير النفط الخام للحصول على العملة الصعبة وكان  يرى أن  احتياطيات  العملات الصعبة هي التي تجعل له نفوذا ووسيلة ضغط على دول العالم، بدلاً من الاستثمار في بناء مصافٍ محلية، وبذلك غابت عنه  الرؤية الاقتصادية لتنويع العوائد أو تطوير البنية التحتية النفطية.

وتسبب ذلك في توجيه معظم الموارد المالية إلى مشروعات سياسية وعسكرية بدلًا من الاستثمار في قطاع الطاقة الداخلي، كان إنتاج ليبيا من النفط عندما استولى القذافي على السلطة 3.2 مليون برميل يوميا.

كانت الحكومات في عهد القذافي تعتمد على استيراد الوقود لتلبية الاحتياجات المحلية بدلًا من تطوير التكرير محليًا، ولعل حجتهم المعلنة في ذلك ما فرضته أوروبا وأمريكا واليابان من منع ليبيا من التقنية اللازمة لإنشاء هذه المشاريع. رغم أنها تقنية غير معقدة، فتكرير النفط يعتمد على التبخير والتكثيف لفصل مكونات الخام إلى بوتاجاز وجازولين ومازوت وكيروسين وبقية المكونات، ثم تعالج كيميائيا لتعديل رقم الأوكتان وتحسين جودتها.

بلغ عدد المصافي العاملة 8 مصافٍ لتكرير النفط ومعالجة المكثفات، وهي كالتالي:

  • مصفاة رأس لانوف: أكبر مصفاة في ليبيا بطاقة تكريرية تبلغ 220 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة البريقة: مخصصة لمعالجة المكثفات بسعة 155 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة الزاوية: بسعة تكريرية تبلغ 120 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة الزويتينة: لمعالجة المكثفات بطاقة 68 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة مليتة: مخصصة للمكثفات بسعة 31 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة طبرق: بسعة تكريرية تبلغ 20 ألف برميل يوميًا.
  • مصفاة مرسى البريقة: بسعة 10 آلاف برميل يوميًا.
  • مصفاة السرير: بسعة 10 آلاف برميل يوميًا.

 

القدرة الإجمالية وانخفاض الأداء

في عام 2011، كانت القدرة التكريرية الإجمالية 634 ألف برميل يوميًا. ومع تدهور البنية التحتية، أصبحت القدرة النظرية الحالية 144 ألف برميل يوميًا ، لكن معظم المصافي معطلة، بحجة أن تكلفة الإنتاج والتشغيل تفوق تكلفة استيراد المنتجات المكررة.

أسباب الفشل

  1. فترة حكم القذافي
  • سياسة التصدير للحصول على العملة الصعبة: ركز القذافي على تصدير النفط الخام للحصول على احتياطيات من العملات الأجنبية بدلًا من تطوير المصافي المحلية.
  • توجيه الموارد للمشاريع السياسية والعسكرية: تم توجيه معظم الموارد المالية نحو مشاريع خارجية وعسكرية بدلًا من تطوير البنية التحتية للطاقة.
  • الحصار التقني: فرضت الدول الغربية حظرًا تقنيًا منع ليبيا من الحصول على المعدات اللازمة لتطوير المصافي.

 

  1. ما بعد الثورة
  • الصراعات السياسية: أدت الانقسامات المسلحة إلى تعطيل مشاريع استراتيجية، بما في ذلك صيانة المصافي القائمة وإنشاء جديدة.
  • الفساد وسوء الإدارة: الحكومات المتعاقبة، سواء المعترف بها دوليًا أو الموازية، انشغلت بالصراعات ونهب الثروات بدلًا من التركيز على التنمية.
  • الاعتماد على الاستيراد: مع تدهور المصافي، أصبح استيراد المنتجات النفطية خيارًا أسهل وإن كان مكلفًا، مما عزز التبعية للخارج.

 

التحديات الحالية

  • ضعف الاستثمار: انعدام الاستثمارات الأجنبية بسبب المخاطر السياسية والأمنية.
  • غياب الاستقرار السياسي: الصراعات بين الحكومات المتصارعة تعيق اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد.
  • التحديات التقنية والمالية: إنشاء معامل تكرير يتطلب استثمارات ضخمة واستقرارًا سياسيًا، وهو ما تفتقر إليه ليبيا حاليًا.

 

مقترحات للحل

  • تحقيق الاستقرار السياسي: يُعد شرطًا أساسيًا لتطوير قطاع النفط.
  • مكافحة الفساد: تعزيز الشفافية وتحسين إدارة الموارد.
  • الاستثمار في المصافي: وضع خطة استراتيجية لتطوير المصافي وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
  • التعاون مع الصين أو دول أخرى: يمكن الالتفاف على العقوبات الغربية من خلال شراكات مع الصين لتطوير المصافي مقابل النفط الخام.

 

ليبيا ليست الدولة الوحيدة التي تعتمد على استيراد المنتجات النفطية رغم امتلاكها احتياطيات ضخمة. وفقًا لمنظمة “أوبك”، تعد ليبيا من بين الدول التي تستورد المنتجات المكررة، إلى جانب دول مثل العراق، نيجيريا، الجزائر، وفنزويلا والسعودية التي تستورد منتجات نفطية في أيام الذروة والمواسم ومن خارج الأوبك تعتبر أندونسيا أكبر مستورد للمنتجات النفطية المكررة في آسيا، وهذا يشير إلى وجود تحديات مشتركة تواجه الدول النفطية في العالم الثالث، والتي قد تكون نتيجة سياسات غربية تهدف إلى إبقاء هذه الدول في دائرة التبعية الاقتصادية.

يبقى الحل مرهونًا بإصلاح سياسي واقتصادي شامل يعيد بناء قطاع النفط في ليبيا ويضعه على مسار التنمية المستدامة، مع التركيز على تطوير المصافي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات النفطية، وقبل ذلك كله وبعده محاربة قوية للقضاء على الفساد الذي يتحكم الآن في مفاصل مؤسسة النفط الليبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى