اخبارالرئيسيةعيون

كواليس استقالة بن قدارة: مقدمة لتغييرات أشمل من قطاع النفط في ليبيا

العربي الجديد-

يشهد الوضع الاقتصادي في ليبيا تطوراً جديداً أفرزه احتداد الخلافات في كواليس أطراف الصراع الليبي، في وقت تسعى فيه أطراف دولية لاحتواء تصاعد الخلاف وتقليل حجم أضراره التي قد تتجاوز وضع الصراع الليبي وتطاول مصالحها.

وبعد خلافات عميقة دارت في كواليس العلاقات والاتصالات غير المعلنة بين معسكر حفتر في شرق البلاد، وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، حول إدارة ملف موارد الأموال السيادية، أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة عن استقالته من منصبه الخميس الماضي، مبرراً استقالته بأنها جاءت لـ”ظروف صحية طارئة”.

وتوضح معلومات متطابقة أدلت بها مصادر ليبية لـ”العربي الجديد” عن استقالة بن قدارة جاءت نتيجة لاحتداد الخلافات بين معسكر حفتر وحكومة عبدالحميد الدبيبة وعجز بن قدارة عن إدارة هذا الخلاف والتوفيق بين مطالب الطرفين، مشيرة إلى أن الخلاف نشب بينهما منذ إبريل من العام الماضي، وقدّم بن قدارة استقالته مرتين في السابق، قبل أن تُقبل استقالته الأخيرة.

وبن قدارة إحدى الشخصيات المقربة من حفتر، وقد جرى الاتفاق على توليه رئاسة مؤسسة النفط، في يوليو 2022، في صفقة سياسية بين حكومة الدبيبة وحفتر بوساطة إماراتية، ورغم عدم إعلان الطرفين عن ذلك، إلا أن بن قدارة صرّح، في مقابلة أجرتها معه فايننشال تايمز البريطانية في مارس 2023، بأن وصوله إلى منصب رئاسة المؤسسة جاء باتفاق بين حكومة الدبيبة وحفتر.

وفيما أفادت المصادر نفسها، وهي مصادر مقربة من وزارة النفط بطرابلس، وأخرى مقربة من لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب، بأن بن قدارة يعاني مشاكل صحية منذ فترة بالفعل، إلا أن معلوماتها تشير إلى أسباب أخرى تتعلق باستقالته، من بينها عدم قدرته على التوفيق بين طرفي حفتر والدبيبة بعد انهيار تقاربهما إثر خلافات حادة حول صلاحيات شركة اركنو النفطية، مشيرة إلى أن هذه الشركة تشكلت بالاشتراك بينهما مطلع عام 2023، وبعد تولّي بن قدارة منصبه بعدة أشهر لتتويج الصفقة

وعلى الرغم من أن شركة اركنو تقول إنها تأسست للانضمام إلى الشركات العاملة في تطوير حقول النفط الليبي وعملياته، بحسب موقعها الإلكتروني الذي أقفل مؤخراً، إلا أن قضيتها أُثيرت بشكل واسع في الإعلام الدولي منتصف العام الماضي على خلفية قيامها بتصدير النفط الليبي خارج شرعية المؤسسة الوطنية للنفط، مع وجود شبهات لتورط الأخيرة في منحها صلاحيات التصدير المباشر عبر الموانئ النفطية

ويتعلّق الخلاف الأخير بين الجانبين باعتراض حفتر على استقلال حكومة الدبيبة بتوقيع عقود لصيانة واستثمار حقل الحمادة للغاز، المعروف باسم “nc7” والواقع في الجنوب الغربي للبلاد، مع شركات إيطالية وتركية وفرنسية، ومطالبته بضم مشروع الحقل في أنشطة شركة اركنو، إلا أن جانب الدبيبة رفض ذلك وأصرّ على المضي في مشروع الحقل، وفقاً للمصادر نفسها التي أشارت إلى فشل الدبيبة في دفع الشركات الأجنبية التي يعتزم منحها استثماراً في الحقل للضغط على حكوماتها لإرغام حفتر على التراجع عن مطالبه.

وفيما توافقت جميع المصادر على أن تراجع رعاية الإمارات لمشروع التقارب بين الطرفين زاد من حجم تأزيم العلاقة بينهما، اتفقت أيضاً على دخول أنقره على خط ترميم العلاقة بين الجانبين، مشيرة إلى أن زيارة الدبيبة لأنقرة، يوم الخميس الماضي، على علاقة بقبول استقالة بن قدارة، وانخراط تركيا لرأب الصدع وبدء مشاورات الاتفاق على شخصية بديلة عن بن قدارة، خاصة أن تركيا أصبحت تمتلك علاقات مباشرة مع معسكر حفتر في الآونة الأخيرة.

استقالة بن قدارة ضمن خطة دولية أشمل

لكن أحد المصادر، وهو مسؤول مقرب من وزارة النفط بطرابلس، أكد أن استبعاد بن قدارة جاء ضمن خطة أشمل وتتجاوز مؤسسة النفط، مشيراً إلى أنها بدأت باستبعاد محافظ البنك المركزي السابق الصديق الكبير، ومرت ببن قدارة، وستطاول شخصيات أخرى، بما فيها النافذون السياسيون في سدة الحكم.

وأكد المسؤول ذاته أن جميع القادة على علم بأن خطة البعثة الأممية تحظى بإدارة ودعم مباشر من قوى في عواصم الثقل الأوروبي والأميركي، وتستهدف تغييراً شاملاً في مواقع القيادة، وأن من بين مساراتها الأساسية ملف الاقتصاد الذي يقع النفط بموقع أساسي فيه. وذكرّ المسؤول بقرار مجلس الأمس الخميس الماضي، والقاضي بالسماح لليبيا بإدارة جزء من أموالها المجمدة بالخارج، وقال “القرار استثنائي وغير مسبوق، لكن توقيته بالنظر إلى واقع وحجم الصراع يبدو في الظاهر غريباً”، مشيراً إلى أن القرار متصل بما يدور في كواليس التغيير المقبل.

وفور صدور قرار مجلس الأمن أبدى الدبيبة ترحيبه، معتبراً أن القرار “جاء كنتيجة مباشرة لجهود حكومته في تحسين الحوكمة والشفافية”، وأن جهود حكومته أدت إلى “تعزيز ثقة المجتمع الدولي في قدرة ليبيا على إدارة أصولها بكفاءة”، لكن في المقابل وصف رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار المكلف من مجلس النواب، أشرف بدر، القرار بأنه “تعسفي”، وأن “توقيت وآلية تنفيذ القرار يثيران تساؤلات”، وطالب، في تصريحات صحفية، بضرورة “اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان إدارة هذه الأموال تحت شرعية المؤسسة التابعة للبرلمان المعترف به كجهة شرعية وحيدة”.

وهو ترحيب واعتراض لا يعكس الواضح، وفقاً لرأي المصدر الحكومي ذاته، الذي ذكّر بأن ترحيب الدبيبة يكرر ذات العبارات عند تعيين المحافظ البديل للمصرف المركزي وبمرور الوقت تبين أن الحكومة لا أثر لها في هذا التعيين، مؤكداً أن جميع الأطراف الليبية بطريقها إلى نضوب مصادر التمويل، وعلى علم بوجود مساعٍ دولية لوضع خطط لإدارة واردات النفط لتجنيب أضرار الصراع الليبي على مصالحها.

ولفت إلى أن قرار مجلس الأمن السماح باستثمار جزء من الأموال المجمدة ترافق مع تحديث العقوبات لبيع النفط خارج المؤسسة الوطنية للنفط، بل وصرح بأن هذا البيع يتم عبر مؤسسات موازية. وهذا التطوّر في الموقف الدولي تتفق المصادر الحكومية والبرلمانية على مجيئه في إطار خطة دولية اتفق عليها ووضعها في طريق التنفيذ عبر البعثة الأممية خلال اجتماع لندن الذي عُقد دون أي تمثيل ليبي.

وعقد في لندن برعاية وزارة الخارجية البريطانية في ديسمبر الماضي اجتماعا ضم ممثلين لثماني دول إقليمية ودولية، بهدف “تقديم نهج دولي منسق يهدف لتحقيق الاستقرار طويل الأمد في ليبيا، ودعم مبادرة البعثة الأممية للحل السياسي في ليبيا، وفقاً للبعثة.

وتتضمّن مبادرة البعثة الأممية، التي أعلنت عنها الشهر الماضي، إصلاحات هيكلية شاملة، على رأسها حزمة إجراءات اقتصادية، لم تعلن عن تفاصيلها. ويلوح بين تفاصيل معلومات المصادر نفسها إمكانية استخدام إيرادات الاستثمار في الأصول الليبية المجمدة في الخارج كبديل عن إيرادات النفط، لتوفير الاحتياجات الأساسية للموازنة الليبية السنوية، باعتبارها ودائع نقدية لدى مؤسسات أوروبية يمكن التحكم فيها ومراقبتها، بخلاف واردات النفط التي من المرجح أن تصدر بشأنها قرارات جديدة من مجلس الأمن لتقييد حركتها والاحتفاظ بها في حسابات المصرف الخارجي الليبي.

وعلى الرغم من عدم وضوح التفاصيل في هذا الجانب، إلا أن المصادر بدت معلوماتها متفقة على أن المسار الاقتصادي يحظى بأولوية كبيرة في مبادرة البعثة الأممية التي ينتظر أن تعلن عن تفاصيلها خلال الأسابيع المقبلة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى