العربي الجديد-
تنشط عواصم دولية وإقليمية عدة في استضافة اجتماعات ولقاءات حثيثة في سياق حراك دولي حول ليبيا، بعضها بمشاركة ليبية وأخرى بمعزل عنها، في وقت تواصل فيه البعثة الأممية في ليبيا استكمال وضع تصوراتها حول العملية السياسية في شكل مبادرة للدفع نحو حوار سياسي جديد.
واستضافت العاصمة البريطانية الأربعاء (04 ديسمبر 2024م)، لأعضاء مجموعة العمل الدولية الخاصة بليبيا، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا ومصر وتركيا، من دون أي تمثيل ليبي. وبحسب الدعوة المسربة والموقعة باسم وزارة الخارجية البريطانية، فإن هدف الاجتماع هو بناء نهج في سياق حراك دولي حول ليبيا لتحقيق الاستقرار لمدى طويل في البلاد. وكانت تركيا قد استضافت اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة (5+ 5) لمناقشة المزيد من الأفكار المشتركة بين أعضاء اللجنة لدعم اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيزه.
حراك دولي حول ليبيا
وفيما لم يصدر أي بيان عن اللجنة، قالت وزارة الدفاع التركية إنها هي من دعت للاجتماع بهدف مواصلة “دعمها وتعاونها مع جميع شرائح ليبيا على أساس تفاهم موحد”، واستعدادها لـ”تقديم جميع أنواع الدعم والمساهمة في تطوير الأنشطة المشتركة” بينها وبين الجانب الليبي.
وجاءت استضافة تركيا لأعضاء لجنة 5+5 بعد يومين من اجتماع دوري للجنة عقده بالعاصمة التونسية. والجمعة قبل الماضية، استضافت روما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بدعوة من نظيره الإيطالي لورينزو فونتانا، الذي ناقش معه عدة ملفات ليبية ـ إيطالية، ومنها الملف السياسي، الذي أكد فيه صالح حاجة ليبيا الملحة إلى حكومة موحدة، مهمتها الأساسية إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لإنهاء الجمود السياسي القائم في البلاد. وفي ظل بروز حراك دولي حول ليبيا المتمثل في اجتماع بريطانيا المرتقب غداً الأربعاء، أوضح مصدر ليبي رفيع، علم المجلس الرئاسي الليبي بالاجتماع وصحة انعقاده، موضحاً أن الاجتماع وإن كانت بريطانيا تشرف عليه، إلا أنها تشترك مع ألمانيا بشكل كبير في ضرورة بناء رؤية دولية موحدة حول ليبيا.
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ”العربي الجديد”، أن مسؤولين ألمانا أبلغوا المجلس الرئاسي بأن الاجتماع سيركز على مناقشة القضايا السياسية والاقتصادية في الملف الليبي من دون الجانب الأمني العسكري. وتأتي الاجتماعات في سياق حراك دولي حول ليبيا على وقع مواصلة البعثة الأممية استكمال وضع تصوراتها حول الوضع السياسي القائم في البلاد، وذلك في خطة عمل تهدف لاستئناف العملية السياسية. ومن المنتظر إعلان هذه الخطة من جانب البعثة مطلع يناير المقبل، وفق المصدر الرئاسي نفسه.
وخلال إحاطاتها السابقة إلى مجلس الأمن، أكدت القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا، ستيفاني خوري، أهمية استئناف العملية السياسية وعزمها رعاية مسار حوار سياسي موسع، لكنها لم تعلن عن أي تفاصيل حول هذا المسار. وكتبت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنيكا كلازن، تغريدة على حسابها بمنصة إكس (تويتر سابقاً)، ذكرت فيها عزم البعثة الأممية في ليبيا إطلاق مبادرة سياسية جديدة ضمن حراك دولي حول ليبيا بهدف إشراك قطاع واسع من الليبيين، من دون أي تفاصيل أخرى.
في السياق، أكد أستاذ العلوم السياسية، حسن عبد المولى، ارتباط هذه اللقاءات والاجتماعات ضمن حراك دولي حول ليبيا بمساعي البعثة لإطلاق مبادرة جديدة لاستئناف العملية السياسية، لكنه رأى في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنها لقاءات واجتماعات تدل على اختلافات عميقة في رؤى ومصالح هذه الدول، فكل دولة استضافت طرفاً ليبياً يعكس رؤيتها وهدفها. ووفقاً، لقراءة عبد المولى، فإن الاختلاف الدولية في الرؤى والسياسات ليس مبنياً على اختلاف المصالح فقط، بل على وجود العديد من المتغيرات الجديدة في المشهد الليبي، موضحاً أن من بين تلك المتغيرات “تحول مناطق سيطرة حفتر في الشرق والجنوب لساحة اجتذبت رغبة الكثير من المشاركة في عمليات البناء والإعمار، فخلال الأشهر الماضية استبدل حفتر الخطاب العسكري بخطاب آخر قوامه الإعمار والإنماء، ففتح شهية الجميع وأغراهم بالتواصل معه، وهو ما نراه في تغير سياسات الكثير من الدول مثل إيطاليا وتركيا”.
واعتبر عبد المولى أن زيارة المسؤولين الإيطاليين إلى بنغازي، ومنها لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بحفتر في مايو الماضي، واستضافة روما عقيلة صالح، مؤشراً واضحاً على رغبة إيطاليا في الانفتاح على معسكر حفتر. وقال إن استضافة تركيا للجنة 5+5 وصدور بيان تركي رسمي عقبها، هو بمثابة “تحول كبير في السياسات التركية”.
ولفت إلى أنه بعد أن “دشنت أنقرة العديد من الاتصالات مع حفتر في الفترات السابقة إلى حد مشاركة كبرى شركاتها في حركة الإعمار في بنغازي ودرنة، فقد كشفت استضافتها لهذا النوع من الاجتماعات عن رغبتها في تطوير تقاربها على المستوى الأمني والعسكري مع حفتر، بعد أن كانت لسنوات طويلة منحازة لمعسكر غرب البلاد. ويبدو الهدف الأساسي هو سعيها لشرعنة وجودها العسكري من خلال قوى الشرق العسكرية في جانب حفتر والسياسية في جانب مجلس النواب، وبمعنى أكثر وضوحاً أنها تسعى إلى أن لا يُصنّف وجودها العسكري من بين القوى الأجنبية المتواجدة على الأراضي الليبية من دون شرعية”.
وفيما رأى عبد المولى “الخطوة التركية الجديدة ثمرة من ثمار التقارب التركي المصري المعلن”، فقد اعتبر أن تركيا تسارع الوقت لمعالجة حماية مصالحها في ليبيا “للحاق بركب دول أخرى لم تتورط في بناء وجود عسكري، مثل إيطاليا التي بدا انفتاحها مع معسكر حفتر أكثر سهولة، وفرنسا التي تخلت سريعاً عن علاقتها العسكرية مع حفتر”. ولفت إلى وجود العديد من الأسئلة قبل تجدد أي حراك دولي حول ليبيا في التفكير الدولي بشأن البلاد، فالزيارات الكثيفة لمسؤولين دوليين لشرق ليبيا ولقاءاتهم بالقادة في معسكر حفتر يثير الكثير من الأسئلة حول مستقبل معسكر حفتر، الذي بدأ يتراجع لصالح أولاده. وأضاف أن “الأسئلة ترتبط أيضاً بعلاقة حفتر المعقدة مع روسيا، التي تشكّل هاجساً كبيراً لعواصم أوروبية وواشنطن”. وبالإضافة لتلك الأسئلة، لفت عبد المولى إلى سؤال آخر يتعلق بوضع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس “التي أصبحت معزولة داخل طرابلس، ولم تنجح في تمثيل حلفائها الدوليين الذين منحوها الاعتراف الدولي، مقابل توسع رقعة سيطرة حفتر”. وبحسب عبد المولى فإن كل تلك الأسئلة التي تعكسها مواقف الدول المتدخلة في ليبيا “مثل التقارب المصري التركي الذي لا يعكس حاجة تركيا لمصر لبناء علاقات مع الشرق فقط، بل حاجة مصر لتركيا من أجل ترميم العلاقات مع حلفائها في طرابلس وعدم رهن مصالحها بحفتر، كلها تصب في خانة أهمية اجتماع لندن”.
ولفت عبد المولى إلى أن “هشاشة الوضع في ليبيا رغم الاستقرار النسبي وتراجع صوت السلاح، استدعى من لندن وحلفائها تنظيم اللقاء في ظل المتغيرات الجديدة للتوصل إلى تصور من أجل ترسيخ حالة الاستقرار في ليبيا. وهذا ما أشارت إليه الفقرة في الدعوة للاجتماع حول ضرورة بناء نهج دولي لاستقرار طويل المدى في ليبيا”. وأكد عبد المولى على أهمية اجتماع لندن بين كل اللقاءات الأخرى لأسباب منها أن “لندن وبرلين ليستا من الأطراف المتوغلة في دعم طرف ليبي ضد الآخر، وتحتفظان بمسافات مناسبة بين الجميع، وثانياً لقربهما وتأثيرهما على عمل البعثة الأممية في ليبيا”.
واستدرك عبد المولى بالقول “لكن هذا الاجتماع يحمل أوجهاً غاية في السلبية، فهو يذكرنا باجتماع لندن عام 2020 الذي انعقد من دون أي تمثيل ليبي، وأسس لكل عمليات الحوار الليبية التي نتجت عنها اتفاقيات لا تزال تقود العمل السياسي فيها. وبمعنى أوضح يرسخ اجتماع الغد لحالة النفوذ والتدخل الدولي في ليبيا، ومن جهة أخرى تغيب روسيا عن هذا الاجتماع، وأي تصور ينتج منه وتتبناه البعثة الأممية سيلقى معارضة موسكو، وهذا يعني انتقال أزمة ليبيا إلى مستوى جديد من التأزيم الدولي، لكون روسيا طرفا مؤثرا في الواقع الليبي ولا يمكن عزله واستبعاده”.
دعم عمل البعثة الأممية في ليبيا
ولم يولِ الصحافي عبد الله الكبير أهمية كبيرة لاجتماع لندن، كونه “يقع في سياقات العديد من الاجتماعات الدولية والإقليمية الأخرى”، موضحاً في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن اجتماع لندن “دوري وتعقده مجموعة العمل الدولية سنوياً بطابع تشاوري، من أجل تقييم الوضع في ليبيا، ولا تصدر عنه قرارات بل تصورات حول الوضع السياسي لدعم عمل البعثة الأممية في ليبيا”. لكن الكبير في الوقت نفسه شدّد على الحاجة الأوروبية والأميركية لدعم البعثة الأممية، في اتجاه استئناف العملية السياسية لتوحيد السلطة في ليبيا، في إطار المصالح الأوروبية والأميركية المرتبطة بسياقات الأحداث الدولية، ومنها عزل روسيا من واقع إنشاء حكومة موحدة تصبح معها روسيا مجبرة على التعامل معها.
وأشار الكبير إلى “وجود حديث متداول في الأوساط السياسية حول دعم لندن لرؤية، قوامها إجراء انتخابات برلمانية في ليبيا فقط من دون إجراء انتخابات رئاسية، ومثل هذا الخيار قد يخدم سياسات بريطانيا وأوروبا لعزل روسيا، التي سبق أن صرحت بأن وجودها العسكري في ليبيا جاء بالاتفاق مع البرلمان الليبي الحالي، وهناك الكثير من القراءات التي يمكن تأطير اجتماع لندن فيها بما يخدم الرؤى السياسات الأوروبية والبريطانية في الملف الليبي في بوابة الموقف من روسيا”. ودعا الكبير لانتظار ما ستسفر عنه جهود البعثة الأممية، للإعلان عن مبادرتها المقبلة لتتضح الأوضاع من جهات عديدة، ومنها واقعية المبادرة، وقدرة البعثة على إنجازها في ظل ممانعة الأطراف الليبية وعمق التدخل الدولي التي واجهتها مبادراتها السابقة.