العربي الجديد-
باينت ردود الأفعال على دعوة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إلى إنهاء ممارسة مبادلة النفط بالوقود وتشكيل لجنة فرعية للإشراف على عقود تسويق النفط ومشتريات الوقود، حيث رأى البعض أن المقايضة تضمن توافر الوقود، بينما انتقد آخرون غياب المحاسبة والشفافية في نظام المقايضة.
وبلغ إجمالي التكاليف لمبادلة النفط الخام بالوقود نحو 8.5 مليارات دولار في عام 2023 دون توثيقها بشكل شفاف في السجلات المالية الرسمية، ما أدى إلى تشوه البيانات المالية للدولة. ويسعى المنفي، وفقاً للتدوينة التي نشرها على حسابه على موقع إكس للتواصل الاجتماعي الخميس، إلى تشكيل لجنة فرعية تابعة للجنة المالية العليا للإشراف على عقود تسويق النفط ومشتريات الوقود، حيث يهدف هذا الإجراء إلى تحسين الشفافية ومكافحة الفساد وضمان الإنفاق الفعال.
وأكد المنفي أن هذه الخطوة تأتي في إطار خريطة الطريق للإصلاح السياسي والمالي المعتمدة على الإدارة الفعالة لعوائد النفط.
مزايا نظام مبادلة النفط بالوقود
وانتقد بعض خبراء الاقتصاد خطوات المجلس الرئاسي بشأن تشكيل لجنة جديدة، ما قد يثير مزيدًا من التأخير، خصوصاً مع وجود هيئات رقابية. وقال مدير مركز “أويا” للدراسات الاقتصادية، أحمد أبولسين، لـ “العربي الجديد” إن “أي مشروع في ليبيا يراد إخفاقه تُشكّل له لجنة، التي تخرج منها لجان أخرى دون الوصول إلى نتيجة”. وأوضح أن “المشكلة تكمن في الفساد الموجود ويجب محاربته عبر الأدوات القانونية مثل الأجهزة الرقابية والمحاسبية ومعرفة تفاصيل العقود المبرمة وعمليات المقايضة”.
من زاوية أخرى، يرى المحلل الاقتصادي عبد الهادي الأسود أن “المقايضة التي بدأت منذ عام 2021 قد حلت بشكل أساسي مشكلة أزمة المحروقات في الأسواق المحلية، حيث لم نشهد طوابير طويلة على محطات الوقود”، مؤكداً “وفرة الوقود المحلي”. وأضاف لـ “العربي الجديد”: “يمكن للمقايضة أن تضمن تأمين احتياجات السوق المحلي من الوقود والمنتجات النفطية الأساسية مثل البنزين والديزل، خصوصاً إذا كانت الدولة تعاني من عجز في الإنتاج المحلي”.
وأشار الأسود إلى أن نظام مبادلة النفط بالوقود يساهم في “تخفيف العبء المالي على الدولة، إذا كانت تعاني من مشكلات في ميزان المدفوعات أو عجز في الحساب الجاري، يمكن أن تساعد المقايضة في تقليل الحاجة إلى دفع الأموال نقداً مقابل المنتجات النفطية”. وأكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، في تصريحات صحافية سابقة، أن “عملية مقايضة النفط الخام بالمحروقات ليست مبادلة مباشرة كما يعتقد البعض، بل هي آلية سداد مقابل توريد المحروقات”.
وأشار إلى أن “هذه الآلية اعتمدها مجلس الوزراء في عام 2021، حيث تُسدّد قيمة المحروقات من طريق حساب مقاصة، بحيث تجري تسوية القيم المالية مع الجهات التي يُصدَّر النفط إليها والتي بدورها تورّد المحروقات”. وأضاف أن “هذا الحساب يخضع لمراجعة ديوان المحاسبة وإدارة المراجعة في المؤسسة الوطنية للنفط، كذلك كُلِّف مكتب عالمي لفحص الحساب وتقديم شهادة تؤكد عدم وجود تجاوزات فيه”.
افتقاد الشفافية والمحاسبة
في المقابل، قال المحلل الاقتصادي أبو بكر الهادي لـ “العربي الجديد” إن “المقايضة قد تعاني من مشاكل في الشفافية والمحاسبة، ما قد يؤدي إلى سوء إدارة أو فساد في بعض الحالات”. وحذر الهادي من “خطر تدهور العلاقات مع شركاء آخرين، حيث إذا وُقِّعَت اتفاقيات مقايضة مع دول محددة، قد تؤدي هذه الاتفاقات إلى توتر العلاقات مع دول أخرى أو هيئات دولية قد تؤثر في المصالح الاقتصادية والسياسية للدولة”.
وحذر ديوان المحاسبة من الاستمرار في أسلوب الإنفاق بالمقايضة المباشرة للنفط الخام مقابل مشتقات نفطية (محروقات)، وبلغت تكلفة المقايضة 41.26 مليار دينار، أُنفِقَت فعلياً دون ثباتها في سجلات وزارة المالية، ما تسبب في تشوه بيانات الدولة المالية وإظهارها على غير حقيقتها. ونبه ديوان المحاسبة في تقاريره لعامي 2021-2022 للآثار السلبية لعمليات المقايضة.
وبلغت جملة الإيرادات النفطية غير المقيدة نحو 8.56 مليارات دولار، وتمثل قيمة شحنات صُدِّرَت خارج منظومة وزارة المالية بالمخالفة للتشريعات النافذة، مقابل توريد الاحتياج المحلي من المحروقات بحجة عدم تضمينها في الترتيبات المالية واستحالة تنفيذها وفقاً لأساس الصرف 1/12، رغم تنبيه ديوان المحاسبة على ضرورة معالجة ملف المحروقات بالطرق القانونية السليمة.
ونفذت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا خلال عام 2023 عمليات مبادلة للنفط الخام والمشتقات النفطية لتأمين توريد المحروقات من الخارج، بدلاً من سداد قيمتها من خلال بند “المحروقات” في الميزانية العامة. وقد مُنح الإذن لهذه العمليات من قبل إدارة التسويق الدولي، حيث تُقتطَع قيمة الشحنات الموردة من فواتير تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية.
وبلغ إجمالي الكميات الموردة من المحروقات بنظام المبادلة لعام 2023 نحو 9.2 ملايين طن متري، بقيمة بلغت 8.56 مليارات دولار. وأظهرت البيانات أن الكميات الموردة من الوقود والديزل كانت الأعلى، حيث جرى توريد 4.71 ملايين طن من البنزين و4.4 ملايين طن من الديزل. وتشير تقديرات سابقة للمؤسسة الوطنية للنفط إلى أن ما بين 30 و40% من الوقود المكرر في ليبيا أو المستورد من الخارج يتعرض للسرقة أو التهريب.
ووُزِّعَت كميات المحروقات على عدة موانئ ليبية، حيث كان ميناء بنغازي الأكثر استلاماً للمنتجات، تلاه ميناء مصراتة، ثم طرابلس والزاوية. فيما جرى توريد المحروقات عبر اتفاقيات مع عدد من الشركات الدولية من دول مثل تركيا والإمارات. وعلى الرغم من العمليات الناجحة، فقد تكبدت المؤسسة الوطنية للنفط تكاليف إضافية بلغت أكثر من 981 مليون دولار نتيجة استخدام أسلوب مبادلة النفط بالوقود. وكانت هذه التكاليف تتضمن عمولات لموردين، فروقات سعرية، وغرامات تأخير بحسب ديوان المحاسبة.