* كتب/ محمد الصادق أبوفلغة،
في 2019، أثناء مرحلة الماجستير، اخترت دراسة مادة الأمن القومي والقيادة على يدي الأميرال ويليام مكرافين الذي تولى قيادة قوة العمليات الخاصة للجيش الأمريكي في فترة أوباما وتولى مناصب أخرى في الجيش وخارجه.
“مكرافين” من جيل الخمسينيات الأمريكي المؤمن إيمانًا لا يرقى إليه الشك بـ”أمريكا”، وهو ابن البحرية وفتاها ورجلها وقائدها، بكل ما يرتبط بالبحرية الأمريكية من افتخار لا يُخفيه أفرادها. وهو الأميرال المتقاعد بالنجوم الأربعة، مرتبة لا يبلغها إلا ذو حظ عظيم في البلاد.
في إحدى المحاضرات، دار الحديث حول السياسة الخارجية الأمريكية، ويبدو أنني سرحت قليلًا مع هاتفي فقرر الأميرال تنبيهي. التفت إلى فجأة وسأل: “محمد، ما رأيك في سياستنا الخارجية؟”
فكيف يستقيم أن تدعو أمريكا للحرية وتدعم من يحرم ناسه منها أو تدعم من يحتل ويقتل الصغار والكبار؟
احمرّ وجهي محرجًا، ثم استجمعت نفسي وسألته مجيبًا: “هل لي أن أجيب بصراحة دون أن يشعر أحدكم بالحرج من كلامي؟”.
رد عليّ بالقول: “نعم بالتأكيد، نريد جميعاً أن نسمع رأيك”
فقلت: “يبدو لي إن المصطلح الأنسب لوصف السياسة الخارجية الأمريكية هو النفاق hypocrisy، فالولايات المتحدة تنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بينما نرى في منطقتنا أن أكبر حليفين لها -وهما السعودية وإسرائيل- هما أبعد الدول عن احترام حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية، فكيف يستقيم أن تدعو أمريكا للحرية وتدعم من يحرم ناسه منها أو تدعم من يحتل ويقتل الصغار والكبار؟ إن لم يكن هذا نفاقًا، فلا أدري ما النفاق!”
فور انتهائي، التفت الأميرال لبقية الطلبة وقال: “يبدو لي أن النفاق فعلًا وصف دقيق لسياستنا، هذه هي وجهة النظر التي ينبغي لنا الانتباه إليها. يرانا الناس بناءً على أفعالنا، لا بناءً على خطابنا. وإن لم تطابق سياستنا بين القول والفعل فسنبدو تمامًا كالمنافق ونفقد احترام الآخرين ومن ثم احترامنا لأنفسنا”.
ذهبتُ إليه بعد المحاضرة معتذرًا في حال سببت له إحراجًا بإجابتي، فسلّم عليّ بحرارة وشكرني على صدقي في الإجابة وكرر قوله بأنه والطلاب محتاجون لسماع هكذا آراء تنظر إلى أمريكا من الخارج.
مكرافين اليوم أحد المرشحين للمشاركة مع كمالا هاريس نائبًا لها في الانتخابات الرئاسية. وجوده مع هاريس قد يشكل دفعة كبيرة للديمقراطيين إذ يجعل ترامب ونائبه يظهران في مظهر ضعيف أمام رجل موشح بالأوسمة يعرفه الأمريكان على أنه الرجل الذي انتقم لهم من بن لادن في 2011.
للكاتب أيضا: