ليبيا تشهد اليوم اشتباكات بين مجموعات مسلحة ولكنها لا تشهد حربا أهلية بين أبناء الشعب
هذه قناعاتي..
* كتب/ عطية صالح الأوجلي
كنت ولا زلت حريصا كل الحرص على أن لا أنضوي تحت راية أي جماعة أو حزب أو قبيلة أو جهة. كنت و لازلت أرى أن مستقبل ليبيا هو في وحدتها وفي بناء دولة عصرية تمنح للجميع حقوقهم ويخضع الجميع فيها لحكم القانون.
كنت ولا زلت على قناعة أن غالبية الشعب الليبي لا ناقة ولا جمل لهم في هذه الصراعات المدمرة التي تم جر البلاد لها، والتي فتحت الباب على مصراعيه وحولت بلادنا إلى ساحة لتسوية الصراعات الدولية والإقليمية وأن الشعب الليبي لا مصلحة له في موت أبنائه ويتم أطفاله وأرملة نسائه.
كنت ولازلت أؤمن بأن ليبيا تمتلك الكثير من الخيرات ولديها نسيج اجتماعي مميز، ولديها طاقات كامنة وبإمكانها مع العمل والصبر والمثابرة أن تتحول إلى بلد مميز ينعم بالرخاء والتقدم.
كنت ولا زلت أؤمن بأن الثروة الحقيقية للشعوب هي عقول أبنائها وبناتها وبالتالي المكان الطبيعي لهم هو المدارس العصرية الحديثة والجامعات المتقدمة ومعاهد التدريب والتطوير لا العسكرة والاقتتال وتجرع الكراهية و الحقد. وإن ما يحتاجه الشباب الليبي هو المعرفة و المهارات وتنمية القدرات وليست التعبئة السياسية المتعصبة.
كان بإمكان ليبيا أن تتخطى هذه المرحلة لو كانت لدينا قيادات مبصرة ومسؤولة. لكن القيادات التي تمكنت من السيطرة على المشهد السياسي زجت البلاد في صراعات غبية أنهكت البلاد وأفسدت الحياة السياسية وتحولنا بفضل هذه السياسات الحمقاء إلى مجموعات تتقاتل دونما هدف حقيقي جدير بالقتال من أجله. سياسات أدخلت التصنيفات السياسية والتعميمات والمفردات العنصرية إلى ساحة بكر غالبية روادها لم يشارك في نقاش حر ولم يقرأ كتابا، ويفتقر إلى أبجديات الثقافة السياسية وأبسط مهارات العمل والتنظيم.
ما أراه أمامي هو استغلال لعواطف الناس والتلاعب بها من قنوات مرئية فاسدة لا تخاف الله ولا تراعي ذمة ولا ضميرا، ومن قيادات لا تتقن سوى الثرثرة أمام الميكروفونات، قيادات فاشلة عاش جزء منها سنين المنفى بعيدا عن الواقع الليبي، ولم يحاول إلا القليل منهم أن ينفتح على المجتمعات التي عاشوا بها ويتقنوا مهارات ومعارف التنظيم والعمل الجماعي ومفاهيم الديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون، وأهمية العلم والتخطيط وفوق ذلك كله أهمية الصدق مع النفس والغير.. وقيادات محلية تربت على الكولسة والدجل وعلى نهب المال العام ولم تتقن سوى هدرزة المرابيع وما يكتنفها من غيرة وحسد بدائيين وميل إلى الجدل والخصام واتهام الآخر.
المشهد الليبي الحالي قاتم ما في ذلك من شك ولكنه غير ميؤوس منه. فليبيا تشهد اليوم اشتباكات بين مجموعات مسلحة ولكنها لا تشهد حربا أهلية بين أبناء الشعب. البعض يريد ذلك ويسعى إليه ولكن الله والشعب الليبي سيخيبان ظنهما. الحرب الأهلية تقوم على انقسام الناس بشكل عمودي إلى مجموعتين وعلى إيمان كل مجموعة بأن المجموعة الأخرى تمثل خطرا وجوديا عليها. الحرب الأهلية هي حرب الناس.. يهجم فيها أهل هذا الحي على ذاك الحي لاختلاف في الدين أو المذهب أو العقيدة السياسية.
لازالت أمامنا العديد من الفرص لكي نصحح المسيرة ولكي نضع حدا للموت الذي يتجول في شوارعنا ويختطف أحبتنا ولكن هذا لن يتأتى إذا لم ينتصر الإنساني على السياسي فينا. لن يتأتى مالم نكن منصفين مع خصومنا بالقدر الذي نتمناه منهم. أن نمتنع عن التصنيفات والتعميمات وإشاعة الكراهية. بأن نحارب الخطأ والجريمة والانحراف لذاته وليس لشخص من قام به. بأن نسعى لقول وفعل الخير ولا نيأس من روح الله. بأن يتحمل كل فرد مسئوليته ويؤدى عمله على أكمل وجه.
عندها ستشرق شمس الخلاص وسيحل السلام والوئام، ولا تستكثروا ذلك فالتاريخ مليء بالحروب والصدامات والانكسارات ولكنه مليء أيضا بقصص شعوب استطاعت أن تنهض من جديد وأن تتجاوز خلافاتها وأن تعيد بناء نفسها. أدعو الله أن يوفقنا جميعا لكي نسعى بالخير والمحبة والتسامح والإصرار عليهم لنعيد إلى ليبيا بهاءها ونمنح الشعب الليبي الذي طالت عذاباته ما يستحق من أمن وأمان.