العربي الجديد-
لا يزال العام الدراسي الجامعي في ليبيا مهدداً بالتوقف في أية لحظة. فعلى الرغم من تعليق أساتذة الجامعات مطلع ديسمبر الماضي اعتصامهم الذي بدأوه في سبتمبر الماضي، على خلفية اتفاق بينهم وبين مسؤولي حكومة الوحدة الوطنية لتلبية مطالبهم، إلا أنهم يشككون في صمود هذا الاتفاق، خصوصاً أن الوعود الحكومية تتكرر كلما أعلنوا نيتهم الاعتصام على مدى السنوات الماضية.
ومنذ سنوات، يطالب أساتذة الجامعة بحقوق يصفونها بالمشروعة، كحق المشاركة في المؤتمرات العلمية، والحق في قرارات الإيفاد للدراسة في الخارج، وإجازة التفرغ العلمي، وزيادة رواتبهم المتدنية.
وفي نهاية نوفمبر الماضي، أعلنت النقابة العامة لأعضاء هيئة التدريس الجامعي تعليق “الاعتصام الشامل والمفتوح في مؤسسات التعليم العالي”، بعد اتفاقها مع حكومة الوحدة الوطنية على تنفيذ مطالب أساتذة الجامعات، لافتة إلى إيعازها لأساتذة الجامعات بضرورة تعديل الخطة الدراسية لتعويض فترة الاعتصام بما يضمن نجاح العام الجامعي 2023 ـ 2024.
وأشارت النقابة إلى خطاب النائب العام الموجه للحكومة بشأن ضرورة توجيه وزارة المالية بالحكومة باتخاذ التدابير الإدارية اللازمة لتطبيق القانون رقم 18 لسنة 2023، الخاص بتعديل رواتب أساتذة الجامعات، واعتماده كمرجع عند إجراء تسوية حقوقهم.
وعلى الرغم من إصدار مجلس النواب مطلع الأسبوع الجاري، إجراءات جديدة لتعزيز القانون رقم 18، إلا أن عضو نقابة أعضاء هيئة التدريس بالجامعات عبد الحكيم دخيل، يشكك في عزم السلطات تسوية أوضاع أساتذة الجامعات، ويقول: “قرارات وقوانين كهذه شاهدناها في السابق في العديد من المرات ولم يتحقق أياً منها”.
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، قد أكد ضرورة الاهتمام بأعضاء هيئة التدريس الجامعي، وتوفير الظروف المناسبة لأداء مهامهم، ومعالجة أوضاع المعيدين بحسب القوانين التي تنظم هذا الأمر. وأشار في الوقت ذاته إلى أن عودة الطلاب إلى قاعات الدراسة هي من مسؤولية الحكومة. وأصدر تعليمات إلى وزارات المالية والتعليم العالي والتعليم التقني بضرورة مناقشة الاقتراحات المقدمة فيما يتعلق بالمشاكل المطروحة مع بداية كل عام دراسي، وتنفيذها وفق المخصصات المالية المعتمدة والمتاحة.
وأوردت منصة “حكومتنا” الرسمية أن “الدبيبة شدد على ضرورة صرف حقوق أعضاء هيئة التدريس وفق ساعات العمل من خلال تطبيق المنظومة المحددة؛ كي تستطيع الدولة إعطاء أعضاء هيئة التدريس حقوقهم، وأمر بمعالجة أوضاع المعيدين الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية ويستمرون في أداء مهماتهم، وأن تتحمل الجامعات والمعاهد العليا مسؤولية تحديد الأعداد وفق الاحتياجات وتطابق الشروط القانونية”، مشدداً على ضرورة مواصلة اللجنة التي شكلها مجلس الوزراء في متابعة تفعيل ملف الإيفاد، وتنفيذ المرحلة الأولى منه والاهتمام بالأوائل والمعيدين باعتبارهم شرائح مهمة.
وأشارت المنصة إلى أن الدبيبة طالب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ووزير التعليم التقني والفني بالتنسيق مع وزارة المالية، العمل على تسوية أوضاع معيدي الجامعات وصرف رواتبهم وفق جدول المرتبات الموحد، وإصدار تعليمات للجامعات والمعاهد العليا بالتنفيذ مباشرة، من خلال النافذة المالية المفتوحة لهم من قبل وزارة المالية لتسهيل الإجراءات، وهو ما اعترضت عليه نقابة هيئة التدريس الجامعي، وأدى إلى انسحابها من الاجتماع.
وغداة الاجتماع، خطف مجهولون النقيب العام لهيئة التدريس الجامعي عبد الفتاح السايح من مقر النقابة، واقتادوه إلى مكان غير معلوم، ما حتّم تنفيذ وقفات احتجاجية وإصدار بيانات دعمت موقف النقابة وطالبت بالإفراج عن النقيب، مع تحميل الدبيبة مسؤولية سلامة السايح ودعوتها كل الجهات الوطنية والدولية للتدخل من أجل ضمان سلامته الشخصية.
وأيدت جهات سياسية وحزبية وحقوقية هذه المطالب، على رأسها لجنة شؤون التعليم في مجلس النواب التي حمّلت الدبيبة مسؤولية مصير النقيب الذي طالبت بإطلاق سراحه، مؤكدة حق الجميع في الاحتجاج السلمي وعدم الرد عليهم بعنف أو الإخفاء القسري.
وأعلنت النقابة خطف مجموعة من أعضائها، بينهم عضو هيئة تدريس من مدينة بني وليد وعضو حراك أساتذة الجامعات.
والأسبوع الماضي، جدد اعتقال جهة أمنية أحد أساتذة جامعة طرابلس من داخل حرم الجامعة، الشكوك حول وقوف جهات وراء التضييق على مطالب أساتذة الجامعات، إذ هددت نقابة أعضاء هيئة التدريس في جامعة طرابلس بتعليق الدراسة في الجامعة إذا لم يتم اطلاق سراح الأستاذ المعتقل.
ووصفت النقابة اعتقال الأستاذ الجامعي بشير عريبي بأنه “خطف على يد جهة غير معروفة من داخل الحرم الجامعي”، مطالبة الجهة المسؤولة عن احتجازه بالإفراج عنه فوراً. وبعد يومين من اعتقاله، أعلن جهاز الأمن الداخلي التابع للحكومة مسؤوليته عن اعتقال عريبي، واتهمه بـ “تحريض أعضاء هيئة التدريس بالكلية للاعتصام وإيقاف الدراسة”. وأضح في بيان، أن عريبي “تجاهل كل الجهود التي بُذلت من أجل عودة الدراسة وتهجم على مؤسسات سيادية أمنية بالدولة ووصفها بأنها هيئات إرهابية وقمعية”.
في هذا الإطار، يقول دخيل لـ “العربي الجديد”: “حوادث كهذه دليل آخر على عدم وجود نية لتسوية أوضاع أساتذة الجامعات. وباعتقادي للأمر علاقة بمخاوف بعض الجهات من قوة الحراك النقابي الذي أسست له نقابة أساتذة الجامعات، وإمكانية أن تنتشر فكرة النقابات في مجالات أخرى، وتشكل ضغوطاً عمالية ومهنية واجتماعية. لا أعتقد أن عدم التجاوب له علاقة بدفع الأموال التي تبدد بأرقام فلكية في كل الاتجاهات”.
من جهتها، تعرب الطالبة في كلية العلوم في جامعة طرابلس، فرح الزاوي، عن مخاوفها من احتمال عودة الاعتصامات، خصوصاً أن النقابة أعلنت “تعليقها” وليس إنهاءها. وتسأل عن مصير دراستها وزملائها الجامعيين.