* كتب/ خالد الجربوعي،
نواصل الحديث عن الانتخابات وإمكانية إجرائها، وهل ستكون فعلا هي الحل لأزمة ليبيا؟ وهل إن أجريت -وهو أمر لابد منه عاجلا أو آجلا- ستكون خطوة حقيقية لبناء دولة ليبيا الواحدة الموحدة؟ أم أن العكس هو ما سيحث تماما. وستكون هي الخطوة الأخيرة في إعلان تقسيم ليبيا وإنهاء حلم توحيدها؟ خاصة فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية والتي يمكن القول إنها هي العقدة الأزلية والمشكلة الأساسية في عدم إجراء الانتخابات أصلا.
لأن نتائج هذه الانتخابات ومن ستفرزه لحكم البلاد لكرسيها الأول هو أس كل خلاف، وسبب كل صراع في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل معرفة أسماء المتقدمين لهذه الانتخابات ومن يطلبون حكم البلاد، والوصول إلى كرسي الرئاسة بأي طريقة.. أشخاص لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ويمكن تحديد الأمر في شخصية أو اثنين بالتحديد، والباقي يمكن القول إنهم خارج دائرة الصراع، أو يمكن القبول بهم ولو نسبيا.
وأهم خلاف في هذه الانتخابات والذي قسم البلاد هو أن جزءا من البلاد يريد إيصال شخص محدد إلى كرسي الحكم بأي طريقة، ومهما كان الثمن ولا يرضى بغيره.. فيما جزء آخر يرفض هذا الشخص ومستعد لفعل كل ما يمكن فعله لمنعه من الجلوس على كرسي حكم ليبيا بالانتخابات أو بدونها.
وهو ما يجعلنا نتساءل: هل حقا يمكن إجراء انتخابات رئاسية ناجحة. يتم من خلالها انتخاب رئيس للبلاد في ظل هذه الظروف وأن تتوافق عليه كل البلاد شرقا وغربا.
وهنا سنضع أكثر من فرضية، وما يمكن أن تكون نتائجها في حالة حدوثها طبعا إن تم التوافق على إجراء الانتخابات الرئاسية، والموافقة على قوانينها المختلف عليها، والتي يريد البعض أن تكون مفتوحة بكل الطرق من أجل أشخاص أو شخص محدد تقريبا، فيما يرفضها الآخر بكل قوة من أجل نفس الأشخاص أو الشخص المعني من الترشح لها.
السيناريو الأول وهو الاستمرار في صراع القوانين بين داعم ورافض، وهو ما يعني استمرار الأمر على ما هو عليه إلى ما لا نهاية، لتبقى الأمور كما هي، إلا إن تحولت إلى مزيد الصراع والانقسام، وهو أمر ليس مستبعدا، لكنه ليس مجال الحديث في هذا الموضوع الذي سيبقى البلاد في حالة من التوتر والانقسام دون حلول.
السيناريو الثاني وهو إجراء الانتخابات في نهاية الأمر، بغض النظر عن نوعية القانون، وهنا يكون السؤال: هل فعلا ستكون انتخابات عادلة حقا في ظل هذا الانقسام؟ وهنا لا أقصد الحكومي فعليا، ولكن أقصد الجهوي والقبلي والتعصب لأفراد وسلطات دون غيرها، كلا حسب مكانه وموقعه وسلطته، وهل سيكون المواطن في كل البلاد حرا في اختيار مرشحه كما يريد، وليس تحت خوف ورغبة من يسيطر ويحكم المكان الذي يتواجد به فعليا، خاصة ما بين شرق البلاد وغربها، فيفرض شرقها من يريد على الناخبين، ويرفض غربها من لا يريد على ناخبيه منعهم من التصويت، ولو بالتدخل المباشر بالتهديد والاغراءات وغيرها من وسائل لا نستغرب حدوثها، في ظل الظروف الحالية، وكيف يمكن الثقة في عملية الفرز بين ما سيكون شرقا وغربا إن تبينت النتيجة غير ما يراد لها في كل مكان لوحده..
ثم نأتي للأهم ولنفترض أن الأمر تم بطريقة أو أخرى، وأعلنت النتائج النهائية، وهنا ستكون العقدة الأساسية فلو فرضنا أن الشخص المطلوب وصوله للكرسي خاصة من شرق البلاد نجح فعلا، أيا كانت الوسيلة والطريقة، وتم إعلانه فائزا بهذه الانتخابات، فهل سيرضى من هم في غرب البلاد عامة وممن يرفضونه خاصة أن تسلم له السلطة فعلية؟ ليجلس على كرسي منعوه منه بكل قوة واستعملوا ضده القوة، ورفعوا في وجهه السلاح، لمنعه من تحقيق هذا الحلم الذي لا يريد أن يتركه حتى آخر لحظة من حياته..
وفي المقلب المعاكس، لو أظهرت النتائج هزيمته وفشله، هل سيرضى أتباعه ومن نصروه خاصة شرق البلاد القبول بمثل هكذا نتائج، تحرم سيدهم ومن دخلوا من أجله في حروب ومواجهات وصلت إلى مهاجمة العاصمة طرابلس من أجل الكرسي بهذه النتيجة، ويعترفون بأي بديل آخر له، خاصة إن كان من منافسيه المباشرين؟
إن الأمر ليس سهلا، ونتائجه ليست مضمونة، بل قد تكون هي آخر قشة في ظهر وحدة البلاد والعباد أن موضوع الانتخابات وخاصة الرئاسية وإجراءها أمر ليس سهلا، قوانينا وتنفيذا ونتائجا، ففي كل خطوة منها ألغام وخطورة لا يتوقعها أحد، ولا يمكن التفاؤل كثيرا بنهايتها ونتائجها على الأرض، خاصة في ظل وجود هذه الشخصية المحددة والتي يمكن القول أن الصراع على هذا الانتخابات والخلاف على إجرائها وعلى قوانينها كلها تدور حولها، منذ اتفاق المغرب 2015 حتى اليوم.
ليبقى أهم أسباب الصراع والخلاف على إجراء هذه الانتخابات هو أمير برقة الجديد، ومن يحكمها بقوة السلاح وجيش العائلة، والذي يريد إعادة حكم العسكر إلى البلاد، والجلوس على كرسي حكمها بأي طريق كانت، فحاول بقوة السلاح وهاجم العاصمة طرابلس، لكن بعد فشله في تحقيق حلمه في خلافة القذافي في كرسيه حاول أن يغير الوسيلة، ليجعل من الانتخابات التي يريد لها أن تكون قوانينها وإجراؤها ونتائجها مفصلة على مقاسه دون غيره.
ففي مثل هذه الظروف والمعطيات هل حقا يمكن إجراء “انتخابات نزيهة وشفافة” هذه الجملة التي أعتقد أنها يجب أن تخرج من السياق والحدث، لأنه لن يكون لها وجود حقيقي على الأرض، وتستبدل بجملة “انتخابات ضرورية ومفروضة لابد منها بأي شكل وطريقة”.
ومع هذا فالانتخابات الرئاسية رغم أهميتها وضرورتها فإنها لن تأتي لا “بمانديلا” ولا “بمهاتير محمد” ولا بمن سيعمل على بناء دولة ووطن حقيقي، كما كل دول العالم هذا رئاسيا.. أم برلمانيا فمن سيأتي لن يكون بأفضل ممن سيذهب؛ لأنهم جميعا أبناء بيئة واحدة وثقافة واحدة إلى حد كبير، وكلهم يبحثون عن الغنيمة ويتعاملون مع الوطن على هذا الأساس، وفي مقدمتها المرتب الكبير والامتيازات المصاحبة لا غير، والباقي مجرد تفاصيل ..وهي ما سيكون لها حديث آخر بإذن الله قريبا.