العربي الجديد-
تفجر الصراع بشكل واضح وصارخ بين مختلف الأطراف الليبية التي تعول البعثة الأممية على جمعها حول طاولة واحدة للحوار، من أجل تجاوز عقبات تواجه قوانين الانتخابات. والصراع هذه المرة حاد ومعقد لعلاقته بالمال ويستهدف الشخصيات في المقام الأول.
في معسكر شرق ليبيا، وإن كانت الخلافات مكتومة منذ فترة بين أبرز شخصيتين، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد مليشيات شرق البلاد حفتر، إلا أن حرب القرارات بينهما في الأيام الأخيرة جعلت الصراع معلناً.
وما إن عيّن رئيس حكومة مجلس النواب، أسامة حماد، المقرب من حفتر والمعين بخلاف إرادة عقيلة صالح، بلقاسم حفتر رئيساً لصندوق إعمار درنة، الذي خصص له صالح قبل ثلاثة أشهر 10 مليارات دينار (نحو 2.1 مليار دولار)، حتى أصدر صالح قراراً بمنع صرف أموال الصندوق إلا بعد الرجوع إليه. والحديث يدور في هامش هذا الصراع عن سعي بلقاسم حفتر لحشد قدر كبير من الجهود البرلمانية لإقصاء صالح من منصبه.
في غرب البلاد، بدا الخلاف متصاعداً بين الحكومة ومجلس الدولة في طرابلس، فقد أصدر رئيس مجلس الدولة محمد تكالة، بياناً أعلن فيه رفض مجلسه عزم رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، توقيع عقود مع شركات أجنبية كبرى لصيانة “حقل الحمادة”، في أقصى الغرب الليبي. واعتبر أنها ستلحق أضراراً بالاقتصاد الوطني.
وفيما لم يرد الدبيبة، إلا أن الاجتماعات الجانبية التي عقدتها لجان تابعة لمجلس الدولة مع مسؤولي وزارات الحكومة، خصوصاً وزارة النفط والغاز، تؤشر إلى سعي مجلس الدولة لعرقلة صفقة الدبيبة في “حقل الحمادة”، أكبر حقول الغاز الليبي، مع شركات إيطالية وفرنسية واماراتية كبرى، بأرقام فلكية بغرض تطويره ومنح هذه الشركات حصصاً كبيرة في الحقل. وهي الصفقة التي قيل إن الدبيبة يسعى من خلالها لحشد مواقف دول هذه الشركات لصالح بقائه في الحكم.
صحيح أن صراعات هؤلاء القادة ليست جديدة، فهي تتصاعد وتختفي في كل مرة، لكن خطورتها هذه المرة في تزامنها مع مساعٍ أممية ودولية لحثهم على الجلوس حول طاولة واحدة، ومناقشة خلافاتهم التي تحصرها البعثة الأممية في جوانب وبنود في القوانين الانتخابية.
لكن مع تفجر الصراع الذي يبدو أنه وصل لمرحلة كسر العظم، وصار يستهدف الشخصيات نفسها، كما في المساعي للإطاحة بعقيلة صالح في مجلس النواب، وظهور صوت داخل مجلس الدولة انضم لدعوات ضرورة تشكيل حكومة جديدة، فكيف سيجتمع هؤلاء الخصوم حول الطاولة الخماسية التي دعت إليها البعثة؟ وماذا سيناقشون؟ خلافاتهم في القوانين الانتخابية وقضية تشكيل حكومة موحدة، أم الصراعات الحالية التي تحتاج حوارات ولقاءات أخرى لاقتلاع جذور الصراع الحالي بينهم؟
وسط كل هذا تلزم البعثة الأممية ورئيسها، عبد الله باتيلي، الصمت التام حيال أي جديد في الاجتماع الخماسي الذي كانت الدعوة له نشطة حتى مطلع الشهر الماضي، والأسئلة عديدة حيال هذا الصمت، بين الإقرار بفشل المبادرة الأممية، وبين انتظار حصيلة هذا الصراع، ومن سيقصي من؟ لتتحدد طبيعة المتحكمين في الفترة المقبلة.