العربي الجديد-
تبحث حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس مساعي لرفع الدعم عن المحروقات كإحدى وسائل مكافحة الفساد المستشري في البلاد، خصوصا تهريب الوقود الليبي وتحويله إلى أحد مصادر تمويل المليشيات المسلحة والخارجة على القانون وسيطرة الدولة.
ومنذ فترة شكلت الحكومة في طرابلس لجنة لبحث وسائل التوصل إلى آلية سداد المحروقات وتحديد كمياتها المحالة إلى شركات التوزيع المحلية.
وفي هذا الصدد التقى رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، منتصف الأسبوع الماضي، رئيس وأعضاء اللجنة، ومدير شركة البريقة، ومدير إدارة المتابعة بمجلس الوزراء، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون المديريات، ووزيري المواصلات، والدولة لشؤون مجلس الوزراء، ووكيل وزارة الاقتصاد للشؤون التجارية.
وأبدت كلمة الدبيبة خلال الاجتماع حرصا على ضرورة مضي اللجنة في أعمالها، لمعالجة كل المشاكل التي سببها ارتفاع المخصصات المالية لشراء المحروقات، ووضع ضوابط ليستفيد المواطن من الكميات الموردة، وأن تنهي أعمالها قبل نهاية العام الجاري.
ويكشف حرص الحكومة ورئيسها على عقد اجتماعات دورية مع اللجنة المكلفة بالتوصل إلى حلول للحد من ارتفاع معدلات الدعم المالية للمحروقات وعزمها على المضي نحو رفع الدعم عن المحروقات، وهو ما أكده الدبيبة خلال اجتماع لمجلس وزراء حكومته مطلع نوفمبر الماضي، حيث أكد أن استمرار الإنفاق على المحروقات “أمر غير فعال”، بدواعي: استنزاف أموال الدولة والتشجيع على التهريب. ولهذا أكد أن إلغاء الدعم هو “السبيل الوحيد للقضاء على ظاهرة تهريب الوقود”، مقترحا استبداله بالدعم النقدي.
وبعد فنزويلا، تعتبر ليبيا ثاني أرخص دولة في الوقود، بواقع 150 درهما (3 سنتات أميركية) للتر الواحد، فيما يكلف الدولة 3.5 دنانير (الدولار = 4.8 دنانير) بحسب أرقام كشف عنها الدبيبة خلال كلمته في اجتماع مجلس الوزراء مطلع الشهر الجاري، كما أن تقرير ديوان المحاسبة الأخير يشير إلى أن هذا الفرق يكلف الولة أموالا طائلة بوتيرة تزايدت باطراد خلال السنوات الأخيرة.
وتتضمن المحروقات الخاضعة للدعم: البنزين والديزل والكيروسين والغاز ووقود الطائرات وزيوت المحركات. ووفق مؤشرات البنك المركزي أنفقت الدولة 20 مليار دينار على دعم المحروقات خلال السنة المالية 2022، فيما وصل الإنفاق حتى نهاية أكتوبر من هذا العام إلى 16.4 مليار.
وتنال الشركة العامة للكهرباء النصيب الأكبر من المحروقات بنسبة تقارب 60%، فيما يتجه الباقي لدعم وقود المركبات وغاز الطبخ.
ويرى أستاذ الاقتصاد عبد السلام زيدان أن سعر الوقود الليبي الزهيد وحجم الإنفاق الكبير الذي يناله واقعان مشجعان جدا على فكرة التهريب والاستفادة من فرق السعر الهائل، خاصة في ظروف دولة مثل ليبيا مقسمة سياسيا وضعيفة أمنيا، كما يصفها.
ووفق بيانات حكومية كشف عنها اجتماع مجلس الوزراء، تخسر ليبيا ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا نتيجة أنشطة تهريب الوقود غير الشرعية، ويبدو أن هذا ما دفعها في مايو/ أيار الماضي إلى إطلاق عملية عسكرية استهدفت من خلالها بعض أوكار عصابات التهريب غرب طرابلس بالطائرات المسيرة، وخاصة مدن مثل: الزاوية وصبراتة والعجيلات وزوارة، لكن يبدو أن خطة الحكومة العسكرية “لم تؤت ثمارها” وفق ما يرى زيدان.
وضمن حديث مع “العربي الجديد” يقدر زيدان أن الرؤية الحكومية جادة في ما يخص الرغبة بإلغاء الدعم لكنها لم تنضج بعد حول البديل. ويرى أن النقاش الحالي يدور حول أمرين: إما صرف كوبونات وقود للمواطنين، أو صرف مقابل نقدي بدل الدعم السلعي.
ويبدي زيدان تأييدا واضحا لرفع الدعم، ويقول بالخصوص: “سعر الوقود الحالي لا يتناسب أبدا مع ظروف البلاد عامة، سواء السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية، ويكلف الدولة نحو ربع الميزانية السنوية دون توزيع عادل بين الليبيين، هذا فضلا عن تسببه باختناق كبير في الطرق السير”.
وفي مزيد من التفسير، يسترسل زيدان في حديثه الذي يميل فيه إلى اتجاه السلطات لرفع دعم المحروقات قائلا: “أكثر من يستفيدون من هذا الدعم هم: عصابات التهريب، ثم رجال الأعمال والشركات خاصة الأجنبية منها، وكذلك الأجانب العاملون بليبيا، وبعد ذلك يأتي الليبيون العاديون الذين يختلف مستوى استفادتهم من الدعم بقدر ما يمتلك أحدهم من سيارات أو أي مركبات”.
ومن هذا المنظور، يرى زيدان أن المواطن ذا الدخل المحدود والذي قد لا يمتلك سيارة لا يناله شيء من الدعم، في مقابل من يمتلكون السيارات أو أساطيل النقل البري من رجال الأعمال والمقاولين.
من ناحية أخرى، ومع إقراره بحجم الإنفاق المبالغ فيه على المحروقات، إلا أن رجل الأعمال الليبي، عبد الرحمن ظافر، لا يوافق على رفع الدعم عنها في الوقت الحالي على الأقل.
وينبع رأي ظافر من “عدم ثقة المواطن في نزاهة وقدرة الحكومات الأخيرة المتعاقبة على تغيير دفة إدارة ملف اقتصادي حساس كهذا” وفق تعبيره.
وفي حديث مع “العربي الجديد” يتساءل ظافر عن الضمانات التي قد تقدمها الحكومة بتوفير البديل للمواطنين وبشكل مستدام.
يقول في هذا الشأن: “لقد جرب الليبيون معنى رفع الدعم عندما رفعت الحكومة يدها مطلع العشرية الثانية عن السلع الغذائية الأساسية التي كانت توفرها الجمعيات بسعر مدعوم، وذلك في مقابل علاوة عن الأبناء دفعت لسنة واحدة ثم انقطعت لست سنوات قبل أن تعود في عهد الحكومة الحالية، ولا توجد ضمانات بألا يأخذ موضوع دعم المحروقات نفس المسلك غير المستقر، ولهذا لا يثق الشارع في التزامات الحكومة”.
وفي ذات الاتجاه، يتوقع ظافر ارتفاعا لأسعار جميع السلع سيصاحب أي رفع للدعم، كما سينتح بسبب ذلك تزايد تكاليف النقل، خاصة في ظل غياب أي وسائل نقل عام وعدم وجود أي شبكات للقطارات أو الأنفاق في دولة ذات رقعة جغرافية كبيرة مثل ليبيا.