اخبارالرئيسيةعيون

الشبان الليبيون يركبون “قوارب الموت”

العربي الجديد-

بعد أيام من القلق، عرفت عائلة اغنية الليبية مكان وجود أحد أبنائها، ويدعى حازم الذي كان اختفى في شكل غامض مع بعض أغراضه. حازم هو الأكبر بين خمسة أخوة ينتمون إلى عائلة ذات موارد بسيطة تعيش في حي غوط الشعال بالعاصمة طرابلس، ويبلغ 28 من العمر، وكان تخرّج من كلية العلوم الإدارية والمالية قبل 5 سنوات من دون أن يحصل على عمل رغم المحاولة والبحث، لذا قرر الهجرة من دون إخطار والديه. وبعدما جمع مصاريف السفر من خلال ممارسته أعمالاً بسيطة غامر مع صديق له وبعض الشباب بركوب ما يسميه الليبيون “قوارب الموت”.
يقول موسى اغنية، والد حازم، لـ”العربي الجديد”: “علمنا منذ اليوم التالي لاختفائه أنه عبر البحر، فزادت مخاوفنا قبل أن نتلقى اتصالاً منه بعد أيام، ويخبرنا أنه وصل إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، وأبلغنا أن ظروفه هناك أسوأ بكثير مما كان يتوقع”.
وتعتبر ليبيا مقصداً لأشخاص يريدون الهجرة انطلاقاً من سواحلها الطويلة على البحر الأبيض المتوسط والمقابلة لأوروبا والتي تمتد مسافة 1900 كيلومتر، للتوجه إلى أوروبا. وبعد انهيار نظام معمر القذافي عام 2011 أوجد الانفلات الأمني وشبه انقسام البلاد بيئة خصبة لنمو عصابات امتهنت الهجرة السرية، وارتبطت بعلاقات مع عصابات أخرى في المحيط الإقليمي.
يعلّق الباحث الاجتماعي عبد العزيز الأوجلي على الظاهرة بالقول لـ”العربي الجديد”: “تنسق عصابات اليوم الرحلات إلى ليبيا، سواء عبر الصحراء الكبرى من الجنوب في حال كان المهاجرون أفارقة، أو من الشرق إذا كانوا من مصر أو سورية أو بنغلادش أو باكستان، وقدموا عبر المطارات غالباً”.
ومؤخراً انضم شبان ليبيون إلى قوافل الهجرة السرّية بتشجيع من العصابات التي تستفيد من عدم حاجتهم إلى إجراءات تمهيدية ترهق العصابات نفسها.
يوضح موسى أن ابنه دفع مبلغاً مالياً إلى منسق رحلة أبلغه لاحقاً عبر مكالمة هاتفية بمكان وساعة الانطلاق، وطالبه بإحضار كل المبلغ، وهو 5000 دولار. ويخبر أن ابنه أطلع أصدقاءه على ظروفه السيئة في جزيرة لامبيدوزا لكنه لا يزال يتلقى اتصالات هاتفية منهم تظهر رغبتهم في اللحاق به، خصوصاً أنه أخبرهم أنه لم يقطع المسافة الى أوروبا على متن قوارب المهربين، بل تسلمه قارب تابع لسفينة إنقاذ دولية سهلت وصوله الى لامبيدوزا.
وكانت البحرية الليبية اتهمت المنظمات الدولية غير الحكومية، في أكثر من مناسبة، بالمساهمة في زيادة موجات الهجرة، من خلال الإعلان عن تواجدها قرب الحدود الإقليمية الليبية، معتبرة أن وجود سفن الإنقاذ الدولية يسهل عمل شبكات التهريب، وذلك من خلال تقصير المسافة والتوجه من الساحل الليبي إلى إحدى تلك السفن القريبة، بدلاً من التوجه إلى الساحل الإيطالي البعيد

وحتى وقت قريب، كان نشاط الهجرة السرّية يقتصر على غربي ليبيا، خصوصاً المنطقة الممتدة من مدينة الخمس شرقي طرابلس إلى زوارة، لكن منافذ أخرى ظهرت أخيراً تصل من شرقي ليبيا إلى اليونان المقابلة شمالاً.
ويرى الناشط المهتم بشؤون الهجرة هاشم المحجوب أن المنافذ في شرق ليبيا فتحت لأسباب سياسية تتعلق بتحالف اللواء المتقاعد خليفة حفتر مع روسيا، والذي يهدف إلى إلحاق أذى بدول مؤيدة لأوكرانيا في غرب أوروبا، لكنه يتوقع أيضاً أن تستمر هذه الرحلات حتى بعد انتهاء المنافع السياسية من ورائها، وذلك رغم ارتفاع تكاليفها التي تتجاوز 4 آلاف دولار.

ويرى المحجوب، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “استعمال جرافات صيد كبيرة تتواجد في السواحل الشرقية يشكل ضمانة أكبر لسلامة وصول المهاجرين السرّيين إلى أوروبا بدلاً من القوارب الصغيرة، كما أن الرقابة ضعيفة على هذه السواحل بخلاف تلك في الغرب التي تتحكم بها اتفاقات وقعتها الحكومة في طرابلس مع بعض الدول الأوروبية. أيضاً لا يرغب المهاجرون القادمون من شرقي ليبيا في خوض مزيد من المغامرات داخل أراض ليبية خشية اعتقالهم خلال عبورهم بوابات أمنية أو التعرضّ لخطف من مسلحين في ظل الانفلات الأمني السائد في البلاد، والمسافة الطويلة بين شرق ليبيا وغربها. وتنطلق غالبية الرحلات من الشرق من مدينة طبرق التي تبعد نحو 1500 كيلومتر من طرابلس”.

ويؤكد المحجوب أن الرحلات من الشرق سمحت لشبان هذا الجزء من ليبيا بخوض المغامرة، لذا زادت هجرتهم إلى اليونان أخيراً وليس إيطاليا الأبعد جغرافيا.
وبعيداً عن الطريق البحري الخطير، لا تنقطع مساعي بعض الشباب لمحاولة توفير أموال، ثم الحصول على تأشيرة “شينغن” الصعبة للتوجه إلى أوروبا، حتى من دون امتلاك مؤهلات تعليمية.
ووفقاً للتقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، وصل 169 ألفاً و219 مهاجراً إلى أوروبا عبر مسارات الهجرة الثلاثة الرئيسية في البحر المتوسط، خلال الفترة بين سبتمبر عام 2022 ويوليو الماضي، بمعدل زيادة قدره 51 في المائة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى