الأناضول-
انعكس انقسام العديد من المؤسسات السيادية في ليبيا على الوضع الاقتصادي في البلد الغني بالنفط والذي يعاني من صراعات مسلحة وسياسية منذ الإطاحة بحكم القذافي في عام 2011.
وأحد أهم تلك المؤسسات التي أضر انقسامها بالاقتصاد هي المصرف المركزي، فقد انقسم في 2014، فإذ تولى شخصان منصب المحافظ، أحدهما مارس مهامه من العاصمة طرابلس (غرب) والثاني في البيضاء (شرق).
وبعد مرور 9 سنوات على الانقسام، أعلن المصرف، في 20 أغسطس الجاري، عودته كمؤسسة “سيادية واحدة”، مشددا على حرصه على معالجة آثار انقسامه.
وجاء إعلان إعادة التوحيد بعد اجتماع في طرابلس جمع محافظ المصرف الصديق عمر الكبير ونائب المحافظ مرعي مفتاح رحيل ومستشارين في المصرف بطرابلس وبنغازي (شرق).
خطوة توحيد المصرف لاقت ردود أفعال محلية ودولية مرحبة، إذ رحب المجلس الرئاسي الليبي بالجهود التي بُذلت لإنجاز هذا الاستحقاق الوطني وإنهاء حالة الانقسام التي استمرت لسنوات، وعودة المصرف كمؤسسة “سيادية موحدة”.
وحث المجلس الرئاسي، في بيان، إدارة المصرف على “العمل على نفس الوتيرة لمعالجة الآثار التي نجمت عن حالة الانقسام، وأخذه كمثل يحتذى بـه لتوحيد باقي مؤسسات الدولة”.
كما بارك رئيس مجلس النواب (شرق) عقيلة صالح توحيد المصرف، ودعا في بيان “جميع المؤسسات والهيئات في البلاد إلى أن تحذو حذو هذه الخطوة الوطنية في إنهاء حالة انقسام مؤسسات الدولة، الأمر الذي سيكون له الأثر البالغ على مصلحة الوطن والمواطن في كافة أنحاء البلاد”.
وأشادت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا باتخاذ محافظ المصرف الصادق الكبير ونائبه مرعي مفتاح رحيل الإجراءات المعلنة بهدف استكمال عملية إعادة توحيد المصرف، والتزامهما بمعالجة الآثار التي لحقت بهذه المؤسسة جراء الانقسام.
وأعربت البعثة الأممية، عبر بيان، عن أملها في أن تساعد هذه الخطوة على “إعطاء زخم جديد لجهود توحيد جميع المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية في البلاد، تلبية لتطلعات الشعب الليبي منذ مدة طويلة”.
كذلك رحبت الولايات المتحدة بإعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي، واعتبرتها “خطوة حاسمة نحو استقرار وتنمية اقتصاد ليبيا، ومثالا مهما للمصالحة عبر جميع مؤسسات الدولة لبناء الأساس نحو الانتخابات”.
وأضافت، في بيان صادر عن السفارة الأمريكية: “نشجع قيادة مصرف ليبيا المركزي على متابعة الاجتماع المثمر (الأحد الماضي) بإجراءات ملموسة نحو التكامل الكامل للأنظمة المالية والرقابية، بما في ذلك عن طريق تفعيل مجلس إدارة المصرف المركزي، وتعزيز نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومعالجة الإصدارات السابقة للعملة المزيفة والإنفاق الموازي”.
خطوات مطلوبة
واعتبر مراقبون أن إعادة توحيد المصرف المركزي ستكون له نتائج إيجابية تمس حياة المواطن منها توفر السيولة النقدية في المصارف وجوانب أخرى تخص الاقتصاد المحلي، غير أن الضرر الذي أصاب الاقتصاد الليبي جراء انقسام المصرف يحتاج لخطوات عملية لمعالجة تلك التشوهات، ولا تكفي خطوة إعلان إعادة التوحيد فقط.
وقال الخبير الاقتصادي خالد الدلفاق للأناضول: “توحيد المصرف المركزي له تداعيات مهمة على الاقتصاد الليبي، وخاصة بشأن إعادة النظر في سعر صرف الدولار مقابل الدينار الليبي وكذلك فتح المقاصة (بين مصارف شرق وغرب البلاد)، بالإضافة إلى توفر السيولة النقدية في كل المصارف التجارية في جميع مناطق ليبيا”.
الدلفاق، وهو أستاذ اقتصاد سابق في جامعة مصراتة (غرب)، تابع أنه “بعد إعلان توحيد المصرف توجد خطوات أخرى يجب النظر إليها، وأهمها إعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف حسب قانون المصارف رقم ١ لسنة 2005 والنظر في كل القرارات السابقة ومعالجة مشكلة الدين العام المحلي في الشرق والغرب”.
ورأى أن “معالجة الآثار الاقتصادية التي سببها هذا الانقسام تحتاج لاتخاذ قرارات سريعة في ملفات عديدة أهمها التضخم والمقاصة وتوفير السيولة عن طريق إعادة الثقة بين المواطن والمصارف التجارية”.
ومعربا عن شكوك، اعتبر الدلفاق أن “إعلان إعادة توحيد المصرف بهذه الطريقة السريعة المفاجئة وبدون تحضيرات واجتماعات، يبدو من التجارب السابقة أنه توحيد سياسي بامتياز؛ لأنه لم يتم وفقا لقانون المصارف أو الآليات الصحيحة عبر السلطة التشريعية”.
اختبار حقيقي
متفقا مع الدلفاق، قال المحلل السياسي السنوسي إسماعيل إن “إعلان توحيد المصرف خطوة إيجابية في سبيل معالجة تشوهات الاقتصاد الليبي وتدهور معيشة المواطنين نتيجة أسباب عديدة من أهمها عدم وجود سياسة مالية موحدة بسبب الانقسام الحكومي ولا سياسة نقدية موحدة بسبب انقسام المصرف المركزي”.
ومنذ مطلع العام الماضي، توجد في ليبيا حكومتان إحداهما كلفها مجلس النواب، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة جديدة يكلفها برلمان منتخب.
وأضاف إسماعيل للأناضول أن “هناك تفاؤل بإمكانية توحيد كافة مؤسسات الدولة بعد بداية توحيد أهم المؤسسات السيادية والمتمثلة في المصرف المركزي”.
وبخصوص ما ينتظر المصرف بعد إعلان إعادة توحيده، قال إنه “سيقع تحت اختبار حقيقي حينما يبدأ مجلس إدارته في مناقشة فتح المقاصة بين مصارف شرق وغرب البلاد وكيفية معالجة موضوع طباعة العملة في روسيا التي قام بها في السابق المصرف المركزي في المنطقة الشرقية واعتمادها من عدمه أو الاكتفاء بالارتباط القديم للعملة الليبية بالنظام المصرفي البريطاني”.
وردا على سؤال بشأن اعتبار البعض أن إعلان توحيد المصرف هو إعلان توحيد سياسي، أجاب إسماعيل: “في نظري هو إعلان توحيد مالي وليس سياسي، فالأطراف السياسية قد تنتهج نهج تقاسم الكعكة بمعنى تقاسم الإيرادات فيما بينها مع الحفاظ على واقع الانقسام السياسي كما حال وجود حكومة في الشرق وأخرى في الغرب تتقاسمان الميزانية بينهما في ظل استمرار هشاشة السلطة التشريعية وضعف السلطة الرقابية”.
وحذر “من استمرار صرف ميزانيات الحكومتين؛ لآن هذا سيساهم في ازدياد تقليص احتياطيات النقد الأجنبي، خاصة إذا حدث هبوط مفاجئ لأسعار النفط، فالاقتصاد الليبي الريعي المشوه لا يمكنه الصمود أمام استنزاف المالية العامة بسبب الإنفاق المتزايد المصحوب بفساد عريض أفقيا ورأسيا”.
وبرعاية الأمم المتحدة، يبذل مجلسا النواب والدولة في ليبيا جهودا مكثفة منذ فترة لتمهيد الطريق أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية طال انتظارها ومن شأنها نقل السلطة وإعادة توحيد بقية مؤسسات الدولة المنقسمة، ولاسيما المؤسسة العسكرية.