وال-
شدد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا “عبد الله باتيلي” على أهمية إجراء الانتخابات. وقال إن الشعب الليبي “قلق من استمرار الانقسام” الذي قد يخلق وضعا يهدد بأن تفقد ليبيا سيادتها ووحدة أراضيها.
وقال “باثيلي” في حوار مطول مع منصة أخبار الأمم المتحدة إن هناك حاجة لحكومة موحدة تهيئ الظروف لبيئة مواتية لإجراء الانتخابات، وأن البلاد لم تعتد تحتمل تشكيل حكومة مؤقتة أخرى.
وأكد الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا أنه ملتزم بالعمل مع جميع الليبيين لإعادة السلام والاستقرار للبلاد وهو ما سيعم أيضا على المنطقة بأسرها.. وقال إنه أجرى مشاورات مكثفة مع اللاعبين الليبيين الرئيسيين. وإنه لم يلتق فحسب بقادة المؤسسات، بل أيضا الليبيين من جميع مناحي الحياة، لافتا إلى أنه ذهب إلى مناطق مختلفة من ليبيا في الشرق والجنوب والغرب، وأنه زار عدة مدن والتقى بمواطنين مهتمين بمستقبل ليبيا.
وأضاف قائلا “كما تعلمون، تعيش ليبيا عشر سنوات تقريبا من الصراع، عشر سنوات من الترتيبات المؤقتة، عشر سنوات من الانقسام، مبينا أن استقرار وسلام ليبيا ليس للشعب الليبي فحسب وإنما للمنطقة بأسرها، وأعتقد أن الوقت قد حان الآن لإنهاء هذا الفصل من الانقسام والصراع حتى يحصل الشعب الليبي على الاستقرار والسلام الذي هو في أمس الحاجة إليه”.
ولفت “باتيلي” إلى أن ليبيا لديها ما يكفي من الموارد كي تتمتع بالازدهار، وأن هذا هو نداء الشعب الليبي حقا، كما أن استقرار وسلام ليبيا ليس للشعب الليبي فحسب وإنما للمنطقة بأسرها والتي عانت بشدة من هذا الصراع”.
وأشار إلى أنه عندما ينظر إلى منطقة الساحل، يجدها منذ عام 2011 تشهد صراعا وصعودا للجماعات المتطرفة والحركات الجهادية وجميع أنواع العصابات الإجرامية التي تجوب منطقة الساحل والصحراء وكذلك جيران ليبيا المباشرين في شمال أفريقيا، مشددا على أن السلام والاستقرار في ليبيا اليوم ليس من أجل الليبيين فقط، بل أيضا من أجل جيرانها، مؤكدا التزامه لهذا السبب بالعمل مع جميع الليبيين لإعادة السلام والاستقرار.
وفي رده على سؤال حول مشاعر الليبيين التي نقلوها له خلال زيارته لهم، وكيف يبدو الوضع على الأرض؟ قال باتيلي إن “الليبيين على الأرض يتوقون إلى السلام والاستقرار. وإنهم يريدون الانتخابات لأنها السبيل الوحيد لاستعادة الشرعية المؤسساتية. وإنهم -الليبيون- بحاجة لتلك المؤسسات، وأن الأمم المتحدة تنتظر قيام تلك المؤسسات، موضحا أن “كل تلك المؤسسات الحالية الموجودة منذ فترة طويلة، سواء كانت الأجهزة القضائية أو التشريعية، عفا عليها الزمن. وأن هناك حاجة إلى تجديد المجلس التشريعي سواء كان مجلس النواب أو المجلس الأعلى للدولة”.
وتابع “ليبيا اليوم لديها حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب. وهذا الوضع يمكن أن يثير المزيد من المخاوف بشأن مستقبل بلد يعاني من قيادات سياسية وأمنية وعسكرية منقسمة”. لافتا إلى أنه “إذا استمر هذا الأمر، فقد تسقط ليبيا في غياهب انقسام طويل الأمد قد يخلق وضعا تفقد فيه البلاد سيادتها، ووحدة أراضيها”.
ونبه “باتيلي” إلى أن الشعب الليبي قلق للغاية من هذا الأمر، لافتا إلى أن الليبيين يريدون أن تظل بلادهم أمة موحدة. وأن هذا أمر مهم للغاية بالنسبة لهم.
وقال “لهذا السبب نحن كمجتمع دولي، يتعين علينا أن نستجيب لتلك الدعوة إلى الوحدة، وتلك الدعوة لاستعادة سيادة ليبيا. ولهذا السبب أواصل مطالبة جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين بالوقوف في صف الأمم المتحدة، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، لمساعدة الليبيين على استعادة سيادتهم على بلادهم”.
وفيما يتعلق بصدور بيان أعضاء مجلس الأمن الدولي مؤخرا، والذي حثوا فيه المؤسسات السياسية الليبية والأطراف المعنية على مضاعفة جهودها لإكمال رسم مسار إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن، وكيف يمكن أن تشكل تلك الدعوة قوة دفع لجهوده في الوساطة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار؟ .. قال باتيلي: “إنني أدعو دائما جميع اللاعبين الدوليين إلى التحدث بصوت واحد والتصرف وفقا لذلك. وكما قلت، من المهم أن تتجه ليبيا إلى الانتخابات. لسنوات عديدة لم يتم إجراء الانتخابات. كان من المفترض إجراء الانتخابات في ديسمبر 2022، ولسوء الحظ، تم إلغاؤها. واجتمع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكلفوا لجنة (6+6) بوضع القوانين الانتخابية. وقد أعدت تلك اللجنة مشاريع قوانين انتخابية. ومع ذلك، فإن القوانين الانتخابية ليست قابلة للتنفيذ كما هي، لأنها بحاجة إلى التعديل والضبط الدقيق والتمحيص”.
وأضاف “لم تكن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وحدها هي التي تحدثت عن الثغرات الموجودة في مشاريع القوانين الانتخابية هذه، بل أشارت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أيضا إلى أوجه القصور في القوانين الانتخابية التي وضعتها لجنة ( 6+6) .
وأعرب المبعوث الأممي عن أمله في أن يتم النظر في هذه القوانين قريبا جدا من قِبل لجنة (6+6) وكذلك من قبل المجلسين حتى يتم ضبطها بشكل دقيق، وجعلها قابلة للتنفيذ، مؤكدا أنه بمجرد الانتهاء من وضع جميع تلك القوانين الانتخابية، يمكن التوصل إلى خارطة طريق لتحديد موعد للانتخابات.
وأوضح أنه بالإضافة إلى ذلك، فإن المسألة لا تتعلق فقط بالقوانين الانتخابية، أو الأساس القانوني للانتخابات، لافتا إلى أن القضايا هي سياسية للغاية، وأن المواطنين الليبيون لا يريدون أن تقود بلادهم بعد الآن مؤسسات أمنية وعسكرية متشرذمة، وفق تعبيره.
وتابع “كما قلت، في ظل الانقسامات التي تشهدها ليبيا اليوم، هناك ضرورة لمؤسسة سياسية موحدة، ومؤسسة أمنية موحدة، ومؤسسات عسكرية موحدة. ولهذا السبب، نعتقد أن مسألة توحيد الحكومة ليست مجرد مسألة قانونية أو دستورية، إنها مسألة سياسية للغاية. ولذا يتعين على الزعماء السياسيين أن يجتمعوا ويتوصلوا إلى اتفاق لتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد إلى الانتخابات”.
وقال “عندما أتحدث عن حكومة موحدة، فهي ليست حكومة مؤقتة أخرى. فالبلاد لا تحتاج ولا تستطيع حتى أن تتحمل حكومة مؤقتة أخرى. نحن بحاجة إلى حكومة موحدة من شأنها أن تهيئ الظروف المناسبة لخلق بيئة سياسية مواتية لإجراء الانتخابات.. وأعتقد أن هذا هو الشيء الذي يريده جميع الليبيين اليوم. فهم لا يريدون المزيد من وجود حكومتين أو ثلاث حكومات في نفس الوقت. إنهم يريدون حكومة واحدة لليبيا وجيشا واحدا لليبيا. ويريدون جهازا أمنيا واحدا لليبيا ليس فقط لتأمين العملية الانتخابية، وإنما أيضا لتأمين أوضاع المواطنين”.
وفي رده على سؤال متعلق بالسبيل لاحتواء تداعيات الاشتباكات العنيفة الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس بين أكبر فصيلين مسلحين هناك مطلع هذا الشهر؟.. أجاب باتيلي قائلا: “إن تلك الأحداث مؤسفة للغاية، ونحن ندينها. وكما تعلمون، فقد أدى ذلك إلى خسائر في الأرواح بين السكان المدنيين، حيث بلغ عدد الضحايا 50 شخصا أو أكثر. هذا غير مقبول. كلا المجموعتين موجودتان هناك لتأمين المواطنين، وليس لإطلاق النار عليهم. ولهذا السبب نعتقد أنه من المهم أن تكون هناك حكومة موحدة تمارس سلطتها ليس فقط على الجيش، ولكن أيضا على الجماعات الأمنية في جميع أنحاء البلاد”.
وأضاف “لا تستطيع ليبيا أن تتحمل هذا، كما أن المواطنين الليبيين لا يريدون أن تقود بلادهم بعد الآن مؤسسات أمنية وعسكرية متشرذمة”.
وحول قوله في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن إن الجهود الرامية لخلق آلية ليبية لإدارة شفافة للأموال العامة أتت أكلها أخيرا. وما يمكن عمله للبناء على هذا التطور الإيجابي؟ .. أوضح باتيلي أنه “هذا تطور إيجابي، مشيدا بدور رئيس المجلس الرئاسي. بعد مشاورات مكثفة مع مختلف أصحاب المصلحة، وبالتحديد قادة المؤسسات”.
وقال إنهم “اتفقوا على وضع آلية ليبية للإشراف على إنفاق الدولة لأن مواطني ليبيا يريدون استخدام أموال وثروات البلاد لصالحهم. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من المحاسبة والشفافية، وهذا ما يريده الليبيون ، معربا عن أمله أن تتعزز هذه الآلية أكثر، مؤكدا دعمه لها وأنه على استعداد لمساعدة الهيكل القائم الآن.
وأضاف “هناك تطور آخر مرتبط بهذا، وهو توحيد مصرف ليبيا المركزي الذي كان منقسما. وأشيد أيضا بهذه الخطوة، والتي تعد خطوة إيجابية في هذا السياق”.
من جهة أخرى، أعرب باتيلي عن قله حيال ملف حقوق الإنسان، قائلا: “هناك الكثير من المخاوف، في الواقع، فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فعندما تنظر إلى حرية حركة الأشخاص داخل وخارج ليبيا، ترى أنه بسبب هذا الانقسام المؤسساتي، وتشرذم الآليات الأمنية والعسكرية، يجد عدد من المواطنين صعوبة في التنقل بحرية في جميع أنحاء ليبيا”.
وأضاف أن “هناك عددا من الإجراءات التي تم اتخاذها بشكل تعسفي ضد المواطنين، والنساء، والمجموعات الحقوقية”، مؤكدا أن ذلك يجب أن يتوقف أيضا، لأن الليبيين كانوا يقاتلون من أجل الديمقراطية، وحرية التعبير، وحرية الحركة في جميع أنحاء بلادهم. وكان هذا في صلب مطالبهم منذ عشر سنوات.
وأشار إلى أنه وحتى الآن، للأسف، “لا تزال هذه المطالب مطروحة على الطاولة. ولم يتم تنفيذها بالكامل. وينبغي لأولئك الذين يقودون البلاد اليوم على مستويات مختلفة من المسؤولية أن يدعموا حقوق الإنسان للمواطنين الليبيين”.
وتابع بالقول: “بعض الأطراف الرئيسية تبذل بعض الجهود. لكن ما يمكننا رؤيته هو أنه بسبب غياب السلطة الوطنية، والسلطة الأخلاقية، والسلطة السياسية على المستوى الوطني، فإن هذه الأمور لا تؤخذ في الاعتبار بصورة كاملة من قبل قيادة البلاد. لدينا حكومتان، ولا يمكن لأي دولة أن تكتمل قيادتها بشكل صحيح من خلال حكومتين أو سلطتين”.
وأضاف: “تعد قضية الهجرة مهمة جدا. الآلاف من الناس يعيشون في ظل ظروف صعبة، ويتم وضعهم في مراكز احتجاز. ويخضع بعضهم لظروف لا إنسانية، وهذا أمر غير مقبول، ولا يطاق”، معلنا ترحيبه بالقرار الأخير الذي اتخذته الحكومة التونسية للنظر في هذا الأمر وإنقاذ المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين من هذه المحنة.
واختتم باتيلي الحوار بالقول إن الليبيين يتوقون إلى السلام والاستقرار والازدهار. وإن ليبيا من أغنى الدول في المنطقة، ولديها كل الإمكانات لتكون قوة اقتصادية في المنطقة تحقق الرخاء لشعب ليبيا ولجميع دول المنطقة. فالمهم ليست المصالح الفردية للدول، سواء كانت جيرانا أو شركاء دوليين. بل المهم هو خلق الظروف المواتية لتحقيق الازدهار للشعب الليبي. وهذا الازدهار سيخلق الظروف لتعاون أفضل وازدهارا يعم المنطقة بأسرها”.
وأشار إلى أنه ولهذا السبب “يسير الأمن والسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب بالنسبة لنا. هذه هي معايير السلام والاستقرار في ليبيا. ولهذا السبب قلنا إن من مصلحة الشركاء الدوليين ولإقليميين تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا”.