اخباراقتصادالرئيسية

دمار وتعطّل الأسواق والخدمات… الاشتباكات تعيث خراباً في طرابلس ليبيا

العربي الجديد-

ما إن وضعت الاشتباكات أوزارها حتى سارع سكان مناطق الجنوب وجنوب شرق طرابلس إلى منازلهم ومحلاتهم وممتلكاتهم، لمعاينة الأضرار التي لحقت بها.

وطيلة ليل الاثنين ونهار الثلاثاء الماضيين، شهدت أحياء عين زارة وطريق الشوك، وخلة الفرجان، والهضبة الشرقية، ورأس حسن اشتباكات هي الأعنف هذه السنة في ليبيا استعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، لتخلف وفق آخر إحصائية لجهاز طب الطوارئ والدعم 55 قتيلا، و146 مصابا.

وذلك فيما آثار الدمار المادي الذي خلفه الاقتتال بين المدنيين في الأماكن المكتظة ظهرت بشكل واضح للعيان، خاصة بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار وفتح الطرق الثلاثاء ليلا، رغم استمرار تواجد المقاتلين في مراكزهم، وامتلاء الشوارع بالعربات المسلحة.

ومنذ الساعات الأولى للاشتباكات ليلة الاثنين، أصابت قذائف متطايرة أحد أكبر الأسواق التجارية في عين زارة “ملكية مول” ومصحتي إيواء في طريق الشوك وخلفت أضرارا مادية، وأظهرت أولى اللقطات المصورة آثار جنازير الدبابات فوق سيارات المواطنين التي سويت بالأرض بعدما تركها أصحابها في الطريق أثناء الفرار من النيران المتبادلة والتي تنطلق وتتسع رقعتها بشكل فجائي يدفع المارة إلى الاحتماء والنجاة بحياتهم وترك كل شيء وراءهم معرضا للتخريب أو السرقة.

نقل الطائرات

وفي مطار طرابلس الوحيد، الواقع شمال المدينة، أدى اشتعال أول فتيل اشتباك إلى المسارعة في إنقاذ ما تبقى من الأسطول الذي تملكه شركات الطيران الليبية العاملة، وأبرزها الخطوط: الليبية، والأفريقية، والأجنحة، والبراق، وغدامس، وطيران النفط.

وبادرت الشركات إلى نقل طائراتها نحو مطار مصراتة (230 كم إلى الشرق)، في الوقت الذي ألغيت فيه جميع الرحلات المغادرة وطلب من الطائرات القادمة التوجه إلى مصراتة، الأمر الذي تسبب في ارتباك حركة الطيران والتجارة، خاصة مع كون معيتيقة هو المطار الوحيد العامل في طرابلس بعد تدمير مطار طرابلس الدولي أثناء حرب 2014، وخروجه عن الخدمة، وتعثر إنهاء صيانته إلى الآن، رغم العقود المتعددة التي وقعت لأجل ذلك، سواء في عهد حكومة الوفاق الوطني، أو الحكومة الحالية.

وقدر مصباح المجيدي، خسائر الأضرار التي لحقت بقالته في حي الفرناج جراء تطاير شظايا قذيفة سقطت بالقرب منها، بقرابة 10 آلاف دينار (الدولار يساوي 4.84 دنانير)، وقال متحدثا لــ”العربي الجديد”: “لم يتضرر محلي بكامله، لكن إصلاح الجزء التالف منه يحتاج مني وقتا، ما يعني توقف العمل لعدة أيام”.

ورغم نزوح أسرته وبقائه في بيته قريبا من موقع محله، إلا أن المجيدي لم يتمكن من إنقاذ شيء باستثناء دفاتر التسجيل الخاصة بالمبيعات والمشتريات، مضيفا: “كان المشهد مؤلما وأنا أرصد أثر الشظية، لكني وجيراني نحمد الله أنها لم تصب أيا من العمال الأجانب الذين كانوا داخل ورشة حدادة على مقربة من موقع سقوط القذيفة”.

عرقلة الإمدادات

ومع اشتداد القتال يوم الثلاثاء، وتمكن أجهزة الإسعاف من فتح ممرات، بادر أغلب سكان مناطق الاشتباك إلى مغادرة منازلهم، وترك الساحة للمقاتلين ولصوص الحروب، كما تم تعطيل الدراسة والامتحانات في أكبر جامعة ليبية (جامعة طرابلس) وإخلاء مركز طرابلس الطبي (أكبر مركز صحي في البلاد)، الأمر الذي ضاعف ضغط العمل على باقي مستشفيات ومصحات طرابلس، هذا فضلا عن تعرقل حركة إمداد محطات الوقود بالبنزين والديزل، والتسبب بازدحام على المحطات القليلة العاملة.

وقال يونس هيبلو، المهتم بالشأن الاقتصادي: “الاشتباكات وقعت في بعض أكثر المناطق حيوية بالمدينة، فطريق الشوك مثلا شريان حياة رئيسي للكثير من الأحياء الأخرى. فيه يقع العديد من المحال التجارية الكبرى بالإضافة لأحد المولات المهمة، وعدد كبير من المصحات والورق والعقارات التي لا تزال تحت التشييد، وهذا يزيد من الخسائر المادية المتوقعة، دون إغفال وجود عدة شركات أجنبية كانت تعمل باطمئنان في المنطقة، ونتوقع الآن نفورها، كما حدث مع حروب: 2011 – 2014 – 2019/2020 حين غادرت جميع الشركات الأجنبية العاملة، ولم يعد أغلبها إلى الآن”.

وخص هيبلو في حديثه لــ”العربي الجديد” بالذكر الشركات العاملة في تعبيد طريق عين زارة وادي الربيع الرئيسي “أو ما سمي أخيرا بطريق عودة الحياة، لكونه شريانا رئيسيا للعاصمة نحو مدن ومناطق جنوب الشرق، بالإضافة لشبكات طرق أخرى تستحدث أو تصين، ويجري العمل عليها الآن، وأبرزها طريق 20 رمضان (11 يونيو سابقا) غير البعيد نسبيا”.

وفسر ضابط الصواريخ المتقاعد، ميلاد العارف، سبب توسع حجم الضرر المادي الذي خلفته الاشتباكات بالقول في حديثه لــ”العربي الجديد”: “أغلب التشكيلات المسلحة الليبية لا تملك أسلحة موجة، وأكثر الأسلحة استخداما خلال الاشتباكات التي تنشب بينها، هي البنادق الآلية الخفيفة، وسلاح “الشلكا” من عيار 14.5 إلى 32، ومدافع الهاون غير الموجهة بالليزر، والآر بي جي، والدبابات، وصواريخ غراد. وكلها أسلحة قديمة وعمياء تستخدم في الغالب ضمن سياسة الأرض المحروقة، ومن المخزي استخدامها من ليبيين ضد مرافق ليبية تعود على الجميع بالنفع”.

تعطل المصالح العامة

من جانب آخر، تعطلت أغلب المؤسسات الرسمية بالمدينة تحسبا لاتساع رقعة الاشتباكات، أو سقوط مقذوفات عشوائية، الأمر الذي عطل المصالح الحكومية والخاصة في أغلب أرجاء العاصمة، حيث أكد أسامة كاشور، أحد العاملين بمبنى بريد طرابلس، أن حراس المقر “طلبوا من جميع الموظفين والمهندسين ترك أعمالهم ومغادرة المبنى”، وأضاف: “المبنى بعيد نسبيا عن مناطق الاشتباك، لكنه مرتفع، وكان يخشى القذائف أو استغلاله من بعض القناصة كما حدث قبل سنة، والنتيجة تعطل مبنى يضم جزءا كبيرا من شركات الاتصالات والبريد، إضافة لهيئة الاتصالات العامة”.

وعقب إيقاف النار، قام رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة برفقة وزير الداخلية، بجولة تفقدية في مناطق الاشتباك والوقوف على حجم الأضرار التي تعرض لها بعض المواطنين والمرافق.

وأصدر الدبيبة تعليماته لرئيس مجلس إدارة شركة الخدمات العامة في طرابلس، بالمباشرة الفورية في أعمال النظافة بمواقع الاشتباكات، وفتح الطرق وإزالة آثارها بالتنسيق مع وزارة الداخلية. كما وجه وزارة الحكم المحلي، بضرورة المباشرة في تشكيل لجنة تتولى حصر الأضرار التي طاولت ممتلكات المواطنين، وتقدير قيمة التعويضات اللازمة، على أن تقدم تقريرها بالخصوص خلال أسبوع.

كما أصدرت وزيرة الشؤون الاجتماعية، تعليمات إلى رؤساء فروع الشؤون الاجتماعية في بلديات: سوق الجمعة وعين زارة وطرابلس المركز بشأن حصر الأسر المتضررة في أماكن الاشتباكات، والمساعدة في تخفيف الآثار المترتبة عن الأحداث وتقديم تقارير عاجلة إليها.

ورأى فتحي المرابط، أحد المتضررين من حرب عدوان مليشيات حفتر على طرابلس عامي 2019 و2020، أن تصريحات المسؤولين “لا تتجاوز الاستهلاك الإعلامي”، مستشهدا بعدم تعويضه عن الأضرار التي لحقت بمنزله في الحروب السابقة، رغم تقدير قيمتها قبل أكثر من سنتين.

وعلق المرابط على بيانات السلطات بأنها تسارع في إعلان أعداد الموتى والمصابين، لكن أي حرب لم يتلُها ولو تقدير لخسائر المواطنين المادية، أو التنفيذ الحقيقي للوعد بالتعويض.

ولا تزال حرب عدوان مليشيات حفتر على العاصمة طرابلس تلقي بآثارها على أرزاق وممتلكات المدنيين في مناطق جنوب شرق طرابلس، حيث تركزت الاشتباكات لأكثر من عام، وأكد المرابط أن أسعار العقارات انهارت بشكل كبير “فرغم عروض البيع إلا أن أي أحد لا يرغب في الشراء والسكن في مناطقنا جنوب طرابلس بسبب تحولها إلى مسرح معارك في العديد من المرات، بل نحن السكان سئمنا إصلاح وصيانة بيوتنا في كل مرة تحدث فيها الاشتباكات وعند رجوعنا من النزوح نجد منازلنا ومحالنا قد تضررت”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى