العربي الجديد-
سلط تقرير لوزارة الخارجية الأميركية الضوء على مناخ الاستثمار في ليبيا، وأوضح عدداً من البيانات الخاصة بالاستثمار في ليبيا خلال العام الجاري.
وعلى الرغم من الإمكانات العالية للاستثمار المحلي والأجنبي في ليبيا والتي أقرت بها الخارجية الأميركية، التي أشارت للحاجة إلى إعادة الإعمار، وعلى الرغم أيضا من الطلب الاستهلاكي غير الملبّى، والموارد الطبيعية الغنية التي تحدث عنها التقرير، لا تزال البلاد تواجه بيئة استثمارية صعبة، وفق وصف الوزارة الأميركية وسفارتها في ليبيا، التي أعادت نشر التقرير وعلقت عليه عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”.
ومع أن الخارجية أقرت بترحيب حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس واهتمامها بجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي والتعاون مع الشركات الأجنبية، إلا أنها أفادت بأن آفاق الاستثمار الأجنبي في ليبيا لا تزال تعيقها تهديدات المليشيات غير الحكومية والمرتزقة الأجانب والجماعات المتطرفة والإرهابية.
ليس هذا فقط، بل تطرق التقرير لمعوقات أخرى تقيد الاستثمار، ولخصها في ما سمته “البيروقراطية غير الواضحة”، وأيضا التعقيدات الناتجة عن تقسيم مؤسسات الدولة، واللوائح المرهقة، وانتشار الفساد في الإدارة العامة، فضلا عما وصفته بالسجل الطويل من عدم امتثال الحكومة الليبية للالتزامات التعاقدية والمدفوعات في الوقت المناسب.
وخص التقرير قطاعات النفط والغاز والكهرباء والبنية التحتية كأبرز المجالات التي تلقت تاريخياً أهم الاستثمارات في ليبيا. وأقر بأن توقيع أطراف الصراع في ليبيا اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر عام 2020 مهد الطريق لعملية سياسية تيسرها الأمم المتحدة، ما أسفر عن تشكيل أول حكومة وطنية موحدة للبلاد منذ عام 2014، بعد سنوات من الاضطرابات المدنية والنزاع المسلح.
ومع أن التقرير اقتصادي بطابعه، إلا أنه خصص جزءا للانتخابات المؤجل إجراؤها منذ ديسمبر 2021. وعلى الرغم من اعتراف وتعامل الإدارة الأميركية مع حكومة الوحدة، إلا أن خارجيتها اعتبرت حكمها البلاد مؤقتا، وأقرت بأن نفوذها كان محدودًا خارج طرابلس وبعض المناطق في الشمال الغربي.
وذكّر التقرير بامتلاك ليبيا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في أفريقيا، وتاسع أكبر احتياطي في العالم، وخامس أكبر احتياطي للغاز في أفريقيا. ولفت إلى مساهمة الصادرات الهيدروكربونية بحوالي 97% من الإيرادات الحكومية، فضلا عن تحقيق إنتاج النفط الليبي انتعاشا تدريجيا بعد الهجمات المتكررة على البنية التحتية النفطية من قبل تنظيم داعش في ليبيا وجماعات مسلحة أخرى في العام 2016، وإغلاق قسري لمدة تسعة أشهر في عام 2020، وإغلاق جزئي لمدة شهر خلال العام الماضي.
ومنذ مارس الماضي، استقر الإنتاج النفطي عند معدل 1.2 مليون برميل يوميا، فيما تواصل المؤسسة الوطنية للنفط، بحسب التقرير، إرساء الأساس لتطوير واستقرار قطاع الطاقة على المدى الطويل.
ومن جانب آخر، تحدث التقرير عن محاولة وزارة النفط والغاز السيطرة السياسية على مؤسسة النفط، ما أدى في بعض الأحيان إلى تعقيد الأمور بالنسبة للشركات العاملة في هذا القطاع. وأشار إلى أن الإطار القانوني الرئيسي لتشجيع الاستثمار الأجنبي هو قانون الاستثمار الصادر عام 2010، قبل الإطاحة بنظام العقيد القذافي.
وفي هذا الجانب، أقر التقرير أن الثورة الليبية عام 2011 أزالت العديد من قيود الاستثمار الأجنبي المباشر، وقدمت حوافز مختلفة لتحفيز الاستثمار الخاص، لكن دون سن قوانين مهمة تتعلق بالاستثمار منذ ذلك الحين، أو خلق تدابير تتعلق بالوباء أو القضايا الخضراء التي لها تأثير على مناخ الاستثمار.
ووفقًا لمنظمة الشفافية الدولية والعديد من جهات الاتصال المحلية المطلعة، فإن الفساد متجذر بعمق في ليبيا، ومنتشر على جميع مستويات الإدارة العامة، كما أشار التقرير. ولا يزال الافتقار إلى آليات واضحة وخاضعة للمساءلة لإدارة احتياطيات النفط وعائداته، ومنح العقود الحكومية، وتنفيذ لوائح غامضة في كثير من الأحيان، يمنح المسؤولين الحكوميين فرصًا كبيرة للفساد.
من جهته، يقر الأكاديمي وأستاذ العلوم الاقتصادية، عبد السلام زيدان، بوجود كل المعوقات التي فصلها التقرير، إلا أنه يشير في تصريح لــ “العربي الجديد” إلى وجود ثغرات عديدة تمكن الإدارة الأميركية من مساعدة ليبيا رغم ظروفها الصعبة، ومن أهمها إمكانية الاستثمار في الدول الأفريقية المصدرة للهجرة إلى أوروبا مرورا بليبيا.
ويرى زيدان أن ذلك كفيل بمنح جرعة من الاستقرار لبلد العبور ليبيا، ويحمل من عاتقها أحد أكبر المنغصات التي تحول دون الاستقرار الاقتصادي، هذا فضلا عن حماية الأرواح من الغرق في البحر المتوسط، ومساعدة شركاء ليبيا الأوروبيين، وفي مقدمتهم إيطاليا، على بحث سبل أكثر نجاعة لاستقرار البلاد، مثل إكمال بعض المشاريع النفطية كمشروع زيادة إنتاج الغاز الليبي الذي وقعت بخصوصه ليبيا وإيطاليا هذا العام عقدا بقيمة 8 مليارات دولار.
ورغم ذلك، يرى زيدان أن السبيل الأمثل لمساعدة ليبيا اقتصاديا، يتمثل في الدفع نحو إجراء الانتخابات، وإفراز سلطات تشريعية وتنفيذية منتخبة من الشعب، تستطيع تطوير قوانين الاستثمار والقوانين المصرفية المعقدة، ثم توقيع عقود الاستثمار مع الحكومات المعتمدة لا المؤقتة.